أَقُول: قَائِل هَذَا أَبُو حَيَّان.
فَإِن قلت: أَلَيْسَ الْخَبَر وَهُوَ فيهم مُصَرحًا فِي الْبَيْت فَكيف يَدعِي عدم السماع. قلت: لَهُ أَن يمنعهُ بجعله ظرفا مُسْتَقرًّا على أَنه حَال من الضَّمِير فِي المؤبل. لَكِن مَا
ذهب إِلَيْهِ فَاسد لِأَنَّهُ صحّح مَذْهَب الْفَارِسِي بِمَا أبْطلهُ لِأَنَّهُ هُوَ الْقَائِل بِأَن الْمَرْفُوع بعد رُبمَا خبر مُبْتَدأ أَي: رُبمَا هُوَ الجامل.
فَذهب إِلَى أَنه لَو كَانَ هَذَا التَّقْدِير صَحِيحا لسمع من كَلَامهم: رُبمَا زيد قَائِم لَكِن لم يسمع.
فَيلْزم من هَذَا أَن مَا ذهب إِلَيْهِ الْفَارِسِي بَاطِل من إِضْمَار الْمُبْتَدَأ وَإِظْهَار الْخَبَر إِذْ لَو جَازَ لسمع إِظْهَار الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فِي كَلَامهم.
على أَن نقُول: قد يُمكن أَن يكون فِي الْبَيْت مَا يُوجب تَصْحِيح مَا يُرِيد إِبْطَاله بِجعْل الجامل مُبْتَدأ وَفِيهِمْ الْخَبَر وَالْجُمْلَة صفة لما وَهِي بِمَعْنى نَاس وَلَا حذف لصِحَّة المعني عَلَيْهِ فَيكون الجزءان قد سمعا بعد رُبمَا. وَهُوَ عين مَا ادّعى عدم سَمَاعه. وَالله أعلم.
وَالْبَيْت من قصيدة طَوِيلَة عدتهَا ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ لأبي دواد الْإِيَادِي. وَهَذِه أَبْيَات من أَولهَا:
(أوحشت من سروب قومِي تعار ... فأروم فشابة فالستار)
(بعد مَا كَانَ سرب قومِي حينا ... لَهُم الْخَيل كلهَا والبحار)
(فَإلَى الدّور فالمروراة مِنْهُم ... فجفير فناعم فالديار))
(فقد امست دِيَارهمْ بطن فلج ... ومصير لصيفهم تعشار)
(رُبمَا الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بَينهُنَّ المهار)
(وجواد جم الندى وضروب ... برقاق الظبات فِيهِ صعار)
(ذَاك دهر مضى فَهَل لدهور ... كن فِي سالف الزَّمَان انكرار)