وَأنْشد ثَعْلَب فِي أمالية هَذَا الْبَيْت هَكَذَا (الوافر)
(إِلَّا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... برود الظل شاعكم السَّلَام)
شاعكم تبعكم وَعَلِيهِ لَا شَاهد فِيهِ وأنشده صَاحب الْجمل فِي بَاب النداء قَالَ اللَّخْمِيّ ونخلة منادى مُنكر وَهُوَ الشَّاهِد وَحكى الأعلم أَن كل نكرَة تؤنث فَلَا تكون إِلَّا مَنْصُوبَة وَإِن كَانَت مَقْصُودَة مُعينَة ونخلة عِنْده منادى مَقْصُود وَلَكِن لما نونها نصبها قَالَ وَذَات عرق مَوضِع بالحجاز
وَسلم على النَّخْلَة لِأَنَّهُ معهد أحبابه وملعبه مَعَ أترابه لِأَن الْعَرَب تقيم الْمنَازل مقَام سكانها فتسلم عَلَيْهَا وتكثر من الحنين إِلَيْهَا قَالَ الشَّاعِر (الْخَفِيف)
(وكمثل الأحباب لَو يعلم العاذل ... عِنْدِي منَازِل الأحباب)
وَيحْتَمل أَن يكون كنى عَن محبوبته بالنخلة لِئَلَّا يشهرها وخوفا من أَهلهَا وأقاربها وعَلى هَذَا الْأَخير اقْتصر ابْن أبي الإصبع فِي تَحْرِير التحبير فِي بَاب الْكِنَايَة قَالَ وَمن نخوة الْعَرَب وغيرتهم كنايتهم عَن حرائر النِّسَاء بالبيض وَقد جَاءَ الْقُرْآن الْعَزِيز بذلك فَقَالَ سُبْحَانَهُ {كأنهن بيض مَكْنُون} وَقَالَ امْرُؤ الْقَيْس (الطَّوِيل)
(وبيضة خدر لَا يرام خباؤها ... تمتعت من لَهو بهَا غير معجل)
وَمن مليح الْكِنَايَة قَول بعض الْعَرَب (الوافر)
(أَلا يَا نَخْلَة من ذَات عرق ... عَلَيْك وَرَحْمَة الله السَّلَام)
(سَأَلت النَّاس عَنْك فخبروني ... هُنَا من ذَاك تكرههُ الْكِرَام)
(وَلَيْسَ بِمَا أحل الله بَأْس ... إِذا هُوَ لم يخالطه الْحَرَام)