وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن قَائِله لم يُصَرح بغرضه سميته تعريضاً وكناية. وَأكْثر أَرْبَاب الْحيَاء من النَّاس مضطرٌّ إِلَى مثله. وَإِذا اعتبرته من حَيْثُ أَن قَائِله يوهمك شَيْئا وَيُرِيد غَيره سميته لحناً وَسميت مسَائِله الملاحن. وَقد صنف النَّاس فِي هَذَا الْفَنّ كتبا كالملاحن لِابْنِ دُرَيْد والمنقذ
للمفجع والحيل فِي الْفِقْه وَغَيره. فاعرف ذَلِك. والحريري هُوَ أَبُو مُحَمَّد الْقَاسِم بن عَليّ بن مُحَمَّد بن عُثْمَان الحريري الْبَصْرِيّ صَاحب المقامات. كَانَ أحد أَئِمَّة عصره ورزق السَّعَادَة والحظوة التَّامَّة فِي عمل المقامات واشتملت على شيءٍ كثير من كَلَام الْعَرَب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كَلَامهَا. وَمن عرفهَا حق مَعْرفَتهَا اسْتدلَّ بهَا على فَضله وَكَثْرَة اطِّلَاعه وغزارة مادته. رُوِيَ أَن الزَّمَخْشَرِيّ لما وقف عَلَيْهَا استحسنها وَكتب على ظهر نسخةٍ مِنْهَا:
(أقسم بِاللَّه وآياته ... ومشعر الْحَج وميقاته))
(أَن الحريري حريٌّ بِأَن ... نكتب بالتبر مقاماته)
ثمَّ صنع الزَّمَخْشَرِيّ المقامات المنسوبة إِلَيْهِ وَهِي قَليلَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا وَشَرحهَا أيضاَ وصنع فِي إثْرهَا نوابغ الْكَلم.