قَالَ الفناري فِي حَاشِيَة المطول وَذهب بَعضهم إِلَى عدم إخلال الْإِضْمَار قبل الذّكر بالفصاحة مُسْتَندا بِأَن عبد القاهر قدوة فِي فن البلاغة وَهُوَ الْمرجع فِيهَا وَكَلَامه حجَّة مُطلقًا وَقد بَين ابْن جني مذهبَة فِي الخصائص فَقَالَ وَأَجْمعُوا على أَن لَيْسَ بجائز ضرب غُلَامه زيدا لتقدم الْمُضمر على مظهره لفظا وَمعنى وَقَالُوا فِي قَول النَّابِغَة
(جزى ربه عني عدي بن حَاتِم)
إِن الْهَاء عَائِدَة على عدي خلافًا على الْجَمَاعَة فَإِن قيل الْفَاعِل رتبته التَّقَدُّم وَالْمَفْعُول رتبته التَّأَخُّر فقد وَقع كل مِنْهُمَا الْموقع الَّذِي هُوَ أولى بِهِ فَلَيْسَ لَك أَن تعتقد فِي الْفَاعِل إِذا وَقع مُؤَخرا أَن مَوْضِعه التَّقْدِيم فَإِذا وَقع مقدما فقد أَخذ
مأخذه وَإِذا كَانَ كَذَلِك فقد وَقع الْمُضمر قبل مظهره لفظا وَمعنى وَهَذَا مَا لَا يجوزه الْقيَاس قيل الْأَمر وَإِن كَانَ ظَاهِرَة مَا تَقوله فَإِن هُنَا طَرِيقا آخر يسوغك غَيره وَذَلِكَ أَن الْمَفْعُول قد شاع وَأطْرد كَثْرَة تقدمه على الْفَاعِل حَتَّى دَعَا ذَاك أَبَا عَليّ إِلَى أَن قَالَ إِن تَقْدِيم الْمَفْعُول على الْفَاعِل فسم قَائِم بِرَأْسِهِ كَمَا أَن تَقْدِيم الْفَاعِل قسم أَيْضا قَائِم بِرَأْسِهِ وَإِن كَانَ تَقْدِيم الْفَاعِل أَكثر وَقد جَاءَ بِهِ الِاسْتِعْمَال مجيئا وَاسِعًا فَلَمَّا كثر وشاع تَقْدِيم الْمَفْعُول صَار كَأَن الْموضع لَهُ حَتَّى إِنَّه إِذا أخر فموضعه التَّقْدِيم فعلى ذَلِك كَأَنَّهُ قَالَ جزى عدي بن حَاتِم ربه ثمَّ قدم الْفَاعِل على أَنه قد قدره مقدما عَلَيْهِ مَفْعُوله فَجَاز لذَلِك وَلَا تستنكر هَذَا الَّذِي صورته لَك فَإِنَّهُ مِمَّا تقبله هَذِه اللُّغَة أَلا ترى أَن سيبوية أجَاز فِي جر الْوَجْه من قَوْلك هَذَا الْحسن الْوَجْه أَن يكون من موضِعين أَحدهمَا بِإِضَافَة الْحسن إِلَيْهِ وَالْآخر