فَكَمَا أَن هَذَا على حذف أَن وَتَقْدِيره: مَا رَاعنا إِلَّا سيره بشرطة كَذَلِك يكون فَاعل عَسى فِي نَحْو: عَسى يفعل إِنَّمَا هُوَ على: عَسى أَن يفعل كَقَوْلِه تَعَالَى: عَسى أَن تكرَهُوا شَيْئا فتحذف أَن وَهِي فِي حكم الثَّبَات.
وَلَو قَالَ قَائِل إِن عَسى فِي عساني وعساك قد تضمن ضميراً مَرْفُوعا وَذَلِكَ الضَّمِير هُوَ الْفَاعِل وَالْكَاف وَالْيَاء فِي مَوضِع نصب على حد النصب فِي قَوْله: عَسى
الغوير أبؤساً لَا على حد تشبيهه بلعل وَلَكِن على أصل هَذَا الْبَاب كَأَنَّهُ عداهُ إِلَى الْمُضمر على حد مَا عداهُ إِلَى الْمظهر الَّذِي هُوَ أبؤس كَانَ وَجها.
فَأَما فاعلها فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو من أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يكون قد جرى لَهُ ذكر أَو لم يجر لَهُ ذكر. فَإِن كَانَ ذكره قد جرى فَلَا إِشْكَال فِي إضماره. وَإِن لم يجر لَهُ ذكر فَإِنَّمَا تضمره لدلَالَة الْحَال عَلَيْهِ كَمَا ذكر من قَوْلهم: إِذا كَانَ غَدا فأتنا فَكَذَلِك يكون إِضْمَار الْفَاعِل فِي عَسى وَتَكون على بَابهَا وَلَا تكون مشبهة بلعل. وَالْأول الَّذِي ذهب إِلَيْهِ كَأَنَّهُ إِلَى النَّفس أسبق. انْتهى كَلَام أبي عَليّ.
وَقد اسْتشْهد لما ذكره الشَّارِح الْمُحَقق جمَاعَة مِنْهُم الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمفصل وَابْن هِشَام فِي أَحدهمَا مَا ذكره سِيبَوَيْهٍ من أَن فِيهِ تَنْوِين الترنم. قَالَ: وَأما نَاس كثير من بني تَمِيم فَإِنَّهُم يبدلون مَكَان الْمدَّة النُّون فِيمَا ينون وَفِيمَا لَا ينون لما لم يُرِيدُوا الترنم أبدلوا مَكَان الْمدَّة نوناً ولفظوا بِتمَام الْبناء وَمَا هُوَ مِنْهُ كَمَا فعل أهل الْحجاز ذَلِك بحروف الْمَدّ سمعناهم يَقُولُونَ للعجاج:)