هَلَكُوا فَالْجَوَاب أَن الْعَرَب قد جرت عَادَتهم بِاسْتِعْمَال هَذِه اللَّفْظَة فِي الدُّعَاء للْمَيت وَلَهُم فِي ذَلِك غرضان: أَحدهمَا: أَنهم يُرِيدُونَ بِهِ استعظام موت الرجل الْجَلِيل وَكَأَنَّهُم لَا يصدقون بِمَوْتِهِ. وَقد بَين هَذَا الْمَعْنى النَّابِغَة الذبياني بقوله: الطَّوِيل
(يَقُولُونَ حصنٌ ثمّ تأبى نُفُوسهم ... وَكَيف بحصنٍ وَالْجِبَال جنوح)
(وَلم تلفظ الْمَوْتَى الْقُبُور وَلم تزل ... نُجُوم السّماء والأديم صَحِيح)
يُرِيد أَنهم يَقُولُونَ: مَاتَ حصن ثمَّ يستعظمون أَن ينطقوا بذلك وَيَقُولُونَ: كَيفَ يجوز أَن يَمُوت وَالْجِبَال لم تنسف والنجوم لم تنكدر والقبور لم تخرج موتاها وجرم الْعَالم صَحِيح لم يحدث فِيهِ حَادث.
وَالْغَرَض الثَّانِي أَنهم يُرِيدُونَ الدُّعَاء لَهُ بِأَن يبْقى ذكره وَلَا يذهب لِأَن بَقَاء ذكر الْإِنْسَان بعد مَوته بِمَنْزِلَة حَيَاته. أَلا ترى إِلَى قَول الشَّاعِر: الطَّوِيل
(فَأَثْنوا علينا لَا أَبَا لأبيكم ... بأفعالنا إنّ الثّناء هُوَ الْخلد)
)
وَقَالَ آخر يرثي يزِيد بن مزِيد الشَّيْبَانِيّ: الطَّوِيل وَقَالَ المتنبي وَأحسن: الْبَسِيط
(ذكر الْفَتى عمره الثّاني وَحَاجته ... مَا فَاتَهُ وفضول الْعَيْش أشغال)
وَقد بَين مَالك بن الريب الْمُزنِيّ مَا فِي هَذَا من الْمحَال من قصيدة تقدّمت: الطَّوِيل
(يَقُولُونَ لَا تبعد وهم يدفنونني ... وَأَيْنَ مَكَان الْبعد إلاّ مكانيا)