وَإِنِّي لتعروني لذكراك روعة ثمَّ أَخذه مرض السلّ حَتَّى لم يبْق مِنْهُ شَيْئا. فَقَالَ قوم: هُوَ مسحور وَقَالَ قوم: بِهِ جنَّة. وَكَانَ بِالْيَمَامَةِ طَبِيب يُقَال لَهُ: سَالم فَصَارَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ أَهله فَجعل يسْقِيه الدَّوَاء فَلَا يَنْفَعهُ فَخَرجُوا بِهِ إِلَى طَبِيب بِحجر فَلم ينْتَفع بعلاجه فَقَالَ:
(جعلت لعرّاف الْيَمَامَة حكمه ... وعرّاف حجر إِن هم شفياني)
(فَمَا تركا من حِيلَة يعلمانها ... وَلَا سلوة إِلَّا بهَا سقياني)
(فَقَالَا: شفاك الله وَالله مَا لنا ... بِمَا حمّلت مِنْك الضلوع يدان)
قَالَ النُّعْمَان بن بشير: بَعَثَنِي مُعَاوِيَة مصدّقاً على بني عذرة فصدّقتهم ثمَّ أَقبلت رَاجعا فَإِذا أَنا بِبَيْت مُفْرد لَيْسَ قربه أحد وَإِذا رجل بفنائه لم يبْق مِنْهُ إِلَّا عظم وَجلد فَلَمَّا سمع وجسي ترنّم بقوله:
(وعينان: مَا أوفيت نشزاً فتنظرا ... بمأقيهما إِلَّا هما تكفان)
(كَأَن قطاة علّقت بجناحها ... على كَبِدِي من شدَّة الخفقان)
قَالَ: وَإِذا أخواته حوله أَمْثَال الدمى فَنظر فِي وجوههن ثمَّ قَالَ:
(من كَانَ من أخواتي باكياً أبدا ... فاليوم إِنِّي أَرَانِي الْيَوْم مَقْبُوضا