حَيَّة لِأَنَّهَا لَا تحفر جحراً وَإِنَّمَا تَأتي إِلَى جُحر قد احتفره غَيرهَا فَتدخل فِيهِ وتغلب عَلَيْهِ فَكل بَيت قصدت إِلَيْهِ هرب أَهله مِنْهُ وخلّوه لَهَا.
وَهَذِه القصيدة طَوِيلَة عدتهَا مِائَتَان وَتِسْعَة وَثَلَاثُونَ بَيْتا لَهَا شُرُوح لَا تحصى كَثْرَة. وَأحسن شروحها شرح الْعَلامَة الأديب أبي عَليّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن هِشَام بن إِبْرَاهِيم اللَّخْمِيّ السبتي.
وَقد شرحتها أَنا شرحاً موجزاً مَعَ إِيضَاح واف وتبيين شاف فِي أَيَّام الشبيبة. نفع الله بِهِ.
ومدح ابْن دُرَيْد بِهَذِهِ الْمَقْصُورَة الشاه وأخاه أَبَا الْعَبَّاس إِسْمَاعِيل ابْني ميكال يُقَال: إِنَّهَا اشْتَمَلت على نَحْو الثُّلُث من الْمَقْصُور. وفيهَا كل مثل سَائِر وَخبر نَادِر مَعَ سلاسة أَلْفَاظ ورشاقة أسلوب وانسجام معَان يَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب.
وَهَذِه نبذة من نسبه وأحواله. وَهُوَ أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن بن دُرَيْد وَيَنْتَهِي نسبه إِلَى الأزد بن الْغَوْث وَمِنْه إِلَى قحطان وَهُوَ أَبُو قبائل الْيمن.
ولد بِالْبَصْرَةِ فِي سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ وَنَشَأ بهَا وَتعلم فِيهَا ثمَّ ارتحل مِنْهَا مَعَ عَمه عِنْد ظُهُور الزنج وَسكن عمان وَأقَام اثْنَتَيْ عشرَة سنة ثمَّ عَاد إِلَى الْبَصْرَة وَسكن بهَا زَمَانا ثمَّ خرج إِلَى نواحي فَارس وَصَحب ابْني ميكال وَكَانَا يَوْمئِذٍ على عمالة فَارس وَعمل لَهما كتاب الجمهرة وقلداه ديوَان فَارس
فَكَانَت الْكتب لَا تكْتب إِلَّا عَن رَأْيه وَلَا ينفذ أَمر إِلَّا بعد توقيعه. وَكَانَ سخيّاً متلافاً لَا يمسك درهما.