أتح لنا اللهم من عرضه ... من دنس اللؤم نقي رحيض
يطفئ نار الجوع عنا ولو ... بمذقة من جازر أو مخيض1
فهل فتى يكشف ما نابهم ... ويغنم الشكر الطويل العريض
فوالذي تعنو النواصي له ... يوم وجوه الجمع سود وبيض2
لولاهم لم تبد لي صفحة ... ولا تصديت لنظم القريض
"قال الراوي": فوالله لقد صدعت بأبياتها أعشار القلوب، واستخرجت خبايا الجيوب، حتى ماحها من دينه الامتياح، وارتاح لرفدها من لم تخله يرتاح، فلما افعوعم جيبها تبرا، وأولاه كل منا برا تولت يتلوها الأصاغر، وفوها بالشكر فاغر، فاشرأبت الجماعة بعد ممرها إلى سبرها، لتبلو مواقع برها، فكفلت لهم باستنباط السر المرموز، ونهضت أقفو أثر العجوز، حتى انتهت إلى سوق مغتصة بالأنام، مختصة بالزحام، فانغمست في الغمار، وأملست من الصبية الأغمار، ثم عاجت بخلو بال، إلى مسجد خال، فأماطت الجلباب، ونضت النقاب، وأنا ألمحها من خصاص الباب وأرقب ما ستبدي من العجاب، فلما انسرت أهبة الخفر، رأيت محيا أبي زيد قد سفر، فهممت بأن أهجم عليه، لأعنفه على ما أجرى إليه، فاستلقى استلقاء المتمردين، ثم رفع عقيرة المغردين، واندفع ينشد:
يا ليت شعري أدهري ... أحاط علمًا بقدري
وهل درى كنه غوري ... في الخدع أم ليس يدري
كم قد قمرت بنيه ... بحيلتي وبمكري
وكم برزت بعرف ... عليهم وبنكر
أصطاد قومًا بوعظ ... وآخرين بشعر
واستفز بخل ... عقلًا وعقلًا بخمر
وتارة أنا صخر ... وتارة أخت صخر3
ولو سلكت سبيلًا ... مألوفة طول عمري
لخاب قدحي وقدحي ... ودام عسري وخسري
فقل لمن لام هذا ... عذري فدونك عذري
"قال الحرث بن همام": فلما ظهرت على جلية أمره. وبديعة أمره، وما زخرف في