{وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} 1.
ومن كلام أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب -كرم الله وجهه- وهو المقدم في فنون البلاغة على بلغاء البدو والحضر، في ختام جواب كتاب كتب به إلى معاوية: ثم ذكرت أن ليس لي ولأصحابي عندك إلا السيف، فلقد أضحكت بعد استعبار، وإني مرقل2 إليك بجحفل من المهاجرين والأنصار، وقد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك، وما هي من الظالمين ببعيد.
وأجمعوا، بعد ذلك، على أن فواصل المقامات تقوم غالبها مقام المثل السائر، وحسن خواتمها تعقد عليه الخناصر. "وقد عنّ لي" أن أورد هنا مقامة كاملة، فإذا نظر المتأمل إلى براعة استهلالها، وفهم القصد الذي جنح إليه الحريري، عرف مقدار حسم الختام الذي تمت به الفائدة؛ وحسن السكوت عليه. "وقد اخترت المقامة الثالثة عشرة"، وهي الزورائية؛ لأنه ثبت عن القاضي الفاضل أنه شرع في معارضة المقامات، وعارض منها كل فصل بفصل أحسن منه، إلى أن وصل إلى فصل هذه المقامة الذي سيأتي وأنبه عليه في موضعه.
والمقامة الموعود بإيرادها هو قوله: "حكى الحرث بن همام" قال: ندوت3 بضواحي الزوراء، مع مشيخة من الشعراء، لا يعلق لهم مبار بغبار، ولا يجري معهم ممار4 في مضمار، فأفضنا في حديث يفضح الأزهار، إلى أن نصفنا النهار، فلما غاض در الأفكار، وصبت النفوس إلى الأوكار، لمحنا عجوزًا تقبل من البعد، وتحضر إحضار الجرد5، وقد استتلت صبية أنحف من المغازل، وأضعف من الجوازل، فما كذبت إذ رأتنا أن عرتنا، حتى إذا ما حضرتنا، قالت حيا الله المعارف. وإن لم يكن معارف. اعلموا يا مآل الآمل، وثمال الأرامل، أني من سروات القبائل، وسريات العقائل.
"والفصل الذي عجز الفاضل عنه، هو": لم يزل أهلي وبعلي يحلون الصدر، ويسيرون القلب ويمطون الظهر، ويولون اليد. فلما أردى الدهر الأعضاء، وفجع