قل لراقي الجفون إن لعيني ... في بحار الدموع سبحًا طويلًا
ماس عجبًا كأنه ما رأى غصـ ... ـنًا طليحًا ولا كثيبًا مهيلا
وحمى عن محبه كاس ثغر ... كان منه مزاجها زنجبيلا1
بان عني فصحت في أثر العيـ ... ـس ارحموني ومهلوهم قليلا
أنا عبد للفاضل بن علي ... قد تبتلت بالثنا تبتيلا2
لا تسميه وعد بغير نوال ... {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا} 3
ونعوذ بالله من قوله بعد ذلك:
جل عن سائر الخلائق فضلًا ... فاخترعنا في مدحه التنزيلا
واعلم أن الاقتباس على نوعين: نوع لا يخرج به المقتبس عن معناه، كقول الحريري: فلم يكن إلا كلمح البصر أو أقرب، حتى أنشد فأغرب. فإن الحريري كنى به عن شدة القرب، وكذلك هو في الآية الشريفة. ونوع يخرج به المقتبس عن معناه، كقول ابن الرومي:
لئن أخطأت في مدحيـ ... ـك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي ... {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} 4
فإن الشاعر كنى به عن الرجل الذي لا يرجى نفعه، والمراد به في الآية الكريمة أرض مكة، شرفها الله وعظمها.
ثم اعلم أنه يجوز أن يغير لفظ المقتبس منه، بزيادة أو نقصان أو تقديم أو تأخير أو إبدال الظاهر من المضمر أو غير ذلك، فالزيادة وإبدال الظاهر من المضمر، كقول الشاعر:
كان الذي خفت أن يكونا ... إنا إلى الله راجعونا
فزاد الألف في راجعون على جهة الإشباع وأتى بالظاهر مكان المضمر في قوله: إنا إلى الله، ومراده آية التعزية في المصيبة، وهي قوله تعالى: