وقد يجيء الفرع والأصل في بيت واحد، كقول أبي تمام:

ما ربع مية معمورًا يطيف به ... غيلان أبهى ربا من ربعها الخرب1

ولا الخدود وإن أدمين من خجل ... أشهى إلى ناظري من خدها الترب

فذكر في البيت الأول الأصل والفرع، وكذلك في البيت الثاني، فالأصل هو الاسم المنفي مع ما ذكر من أوصافه، والفرع هو أفعل التفضيل مع ما يتعلق به.

ويعجبني في هذا الباب قول إبراهيم بن سهل الأشبيلي، من قصيدة، وهو:

وما وَجْدُ أعرابية بان دارها ... وحنت إلى بان الحجاز ورنده2

إذا آنست ركبًا تكفل شوقها ... بنار قراه والدموع بورده

وأن أوقدوا المصباح ظنوه بارقًا ... يحيي فهشت للسلام ورده

بأعظم من وجدي بموسى وإنما ... يرى أنني أذنبت ذنبًا لوده

ومن إنشاء القاضي شهاب الدين محمود، في هذا الباب، قوله: وما أم طفل قذفها الزمن العنيد، في بعض البيد، في أرض موحشة المسالك، قليلة السالك، قد لمع صوابها، وتوقدت هضابها، وصرخ بومها، ونفر ظليمها3، وحضر سمومها4، وغاب نسيمها، فلما خافت على ولدها من الظمأ الهلاك، أجلسته إلى جنب كثيب هناك، ثم ذهبت في طلب الماء للغلام، لئلا يقضي عليه الأوام5، فانتهى بها المسير إلى روضة وغدير، وآثار مطي بوارك، تدل على أن الطريق هنالك، فعادت إلى ولدها مسرعة، وكل أعضائها إليه عيون متطلعة، فلما شارفت جنب الكثيب، رأت ولدها في فم الذيب:

بأكثر مني حسرة وتلهفًا ... وأعظم مني حرقة وتأسفًا

وأغزر دمعًا عندما قيل لي الذي ... كلفت به أضحى على البعد مزمعًا

وذكر صاحب الإيضاح، للتفريع، قسمًا ثانيًا لم يذكره غيره، ولا نسج على منواله أصحاب البديعيات فألغيته أيضًا، والشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع اخترع قسمًا ثالثًا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015