فأطلقه وعظم في عينه، وقال: هذا أبوه من بيت كبير، وقال للآخر: من أبوك؟ فقال:

أنا ابن من دانت الرقاب له ... ما بين مخزومها وهاشمها1

تأتيه بالرغم وهي صاغرة ... يأخذ من مالها ومن دمها

فقال الوالي: ما أشك أن هذا أبوه كان ملكًا شجاعًا، فأمر بإطلاقهما فلما انصرفا كان في المجلس رجل نبيه فقال للوالي: الشاب الأول كان أبوه فوّالًا، والثاني كان أبوه حجامًا. فأعجب الوالي منه ذلك، فقال:

كان ابن من شئت واكتسب أدبًا ... يغنيك مضمونه عن النسب2

إن الفتى من يقول ها أنا ذا ... ليس الفتى من يقول كان أبي

وبيت الشيخ صفي الدين على الألغاز في بديعيته:

حرّان ينقع حر الكر غلته ... حتى إذا ضمه برد المقيل ظمي3

الشيخ صفي الدين ألغز هنا في السيف فإنه يروي في حر الكر بالدماء، وإذا أدخل القراب الذي كنى به عن برد المقبل، كان ظامئًا.

والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم. وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته:

إن المنافق لغز قلبه زغل ... وهو المعمى كمثل الأرزة الرزم4

قلت: الشيخ عز الدين -غفر الله له- لم يأت في بيته بغير الجناس المقلوب، في لغز وزغل، وأما التعمية بالأرزة الرزم، فما علمت ما المراد منهما حتى نظرت في شرحه، فوجدته قد قال: الرزم القائم والأرزة شجرة الصنوبر، فما ازددت في التعمية غير تعمية.

وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم:

وكلما ألغزوه حله لَسِنٌ ... مذ طال تعقيده أزرى بفهمهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015