من نداه مؤملًا، كم عمر سبيلًا، وقطع طريقًا وأخاف سبيلًا، وكم طغى واحترق، وأظهر الجفاء وهو كثير الملق1، صقيل يجلو الصدى، ويظهر على شدة البرد تجلدا، قد جمع فيه الخوف والرجا، والكدر والصفا، فسبحان من جمع فيه هذه الأصداد، وأرسله رحمة للعباد.
ويعجبني فيه قول أبي الفضل بن الخازن:
وخل صفاء زرته بعد هجعة ... فألفيت شخصي في حشاه مصورا2
وأودعته سري فأفشاه للورى ... فيا حسن ما أفشى الغداة وأظهرا3
أبوه حليف للثريا وأمه ... به حامل في بطن منخفض الثرى
سطيح له جسم بغير جوارح ... يباري الرياح الذريات إذا جرى
تزر عليه الريح ثوبًا موردًا ... وتكسوه شهب الليل ثوبًا مدثرًا4
قلت: وعلى ذكر الماء يحسن أن نورد هنا لغزًا في القربة. كتب الشيخ بدر الدين الدماميني إلى المقر الأميني، أمين الدين الحمصي، كاتم السر بدمشق صاحب، ديوان الإنشاء بالشام لغزًا في قربة تزاحم سرب الأدب على الشرب منها، ولو عاش صريع الدلاء ودّ أن يكون راوية عنها، وهو قوله:
أكاتب سر الملك والفاضل الذي ... ثناه على الأفكار فرض مرتب
يحدث عن سهل رواة كلامه ... إذا ما أتاه اللغز يرويه مصعب
فديتك ما ذات أطالعكم بها ... ويبحث في الأسفار عنها وتطلب
تشدوكم في الأرض قارٍ أمالها ... وصدق إذا ما قيل تملى وتكتب5
وما هي في التحقيق راوية وكم ... لها خبر في الذوق يحلو ويعذب
مليحة شكل يألف الحب صبها ... زمانًا وفي وقت لها يتجنب
وتبلغ منها للحياض حقيقة ... ولكن رأينا قلبها وهو طيب
يزيد مريدوها إذا ما تصوفت ... ويشكرها أهل الزوايا ويطنبوا6