أبدى شجاعته بالليل مجترئًا ... على جريّ ضعيف البطش والجلد1

فأنشدت أمه من بعد ما احتسبت ... دم الأبليق عند الواحد الأحد2

أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يدي أصابتني ولم ترد

كلاهما خلف من بعد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي

البيتان الأخيران لامرأة من العرب قتل أخوها ابنها، فقالت ذلك تسلية. ومنهم من أودع شعره بيتين، وكل بيت منهما لشاعر، كقول القاضي شهاب الدين محمود:

وبتنا على حكم الصبابة مطعمي ... زفيري وأشجاني وشربي المدامع

وخلي يعاطيني كئوس ملامة ... وينشدني والهم للقلب صادع

أتطمع من ليلى بوصل وإنما ... تقطع أعناق الرجال المطامع

فبت كأني ساورتني ضئيلة ... من الرقش في أنيابها السم ناقع

البيت الأخير للنابغة، قلت غاية الأوائل أن ينقلوا المعنى الأول في الإيداع إلى معنى آخر، إن كان في بيتين أو بيت واحد أو نصف بيت، ولكن الفرقة التي مشت تحت العلم الفاضلي، وتحلت بالقطر النباتي وهلم جرًا، لم يرضوا بنقله مجردًا من التورية أو ما يناسبها من أنواع البديع، ومما يؤيد قولي هذا قول القاضي جلال الدين القزويني، في التلخيص وأحسنه ما زاد على الأصل بنكتة، كالتورية والتشبيه، وممن أبدع في نقله إلى التورية علامة هذا الفن، الشيخ جمال الدين بن نباتة -رحمه الله تعالى- بقوله:

أتاني على البانياسيّ منشدًا ... فيا لك من شعر ثقيل مطوّل

مكر مفر مقبل مدبر معًا ... كجلمود صخر حطه السيل من عل

ومثله قوله في مليح اسمه حبيب وهو:

حبيب حبيب القلب أخلى منيزلًا ... به كان في عرس المسرة ينجلي

فيا صاحبي الذكر قد لذ بالبكا ... قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل

وما يشك من عنده ذوق أن المقطوعين في الإيداع تميز المحاسن التورية، وغريب النقل إلى غرض كل من الناظمين وكذلك تقطيع أعناق الرجال، في إيداع الشهاب محمود، فإنهم نقلوه إلى الصفع، وجاءت توريته في غاية الحسن، وهذا هو المذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015