هذا البيت الاشتراك فيه بين البيض، فلولا بيض الهند التي ترشح بها جانب السيوف، بذكر الهند، لسبق ذهن السامع إلى أنه أراد الذوائب البيض، ولكن بيت الشيخ صفي الدين لم يخل من بعض عقادة.
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم وبيت الشيخ عز الدين الموصلي:
وللغزالة تسليم به اشتركت ... مع التي هي ترعى نرجس الظلم
هذا البيت يصلح أن يعد من باب الإشارة في الجناس المعنوي، فإن الشيخ عز الدين أضمر أحد الركنين وأظهر الآخر، وهذا حد جناس الإشارة من المعنوي، فإنه ذكر الغزالة في أول البيت وأضمر الغزالة الشمسية في الشطر الثاني، وهذا النوع تقدم تقريره، ولو صرح الشيخ عز الدين في الشطر الثاني بلفظة الغزالة، وذكر معها الإشراق والنور بحيث يزيل وهم السامع أن المراد الغزالة الوحشية، ويتحقق أن المراد الغزالة الشمسية، أو بالعكس، كان نوع الاشتراك في بيته خالصًا، مع ما فيه من النظر، وهو أن كلًّا من الغزالتين سلم على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه أظهر لفظ الغزالة الثانية، فتحتم أنه صار جناسًا معنويًّا، ولعمري إنه أحسن من بيته الذي استشهد فيه على الجناس المعنوي في أول بديعيته:
وكافر نعم الإحسان في عذل ... كظلمة الليل عن ذا المعنوي عمي
فإن أظهر في أول البيت لفظة كافر، والليل يسمى كافرًا، فأضمر لفظة كافر الذي هو الليل، وتالله إن بيته الذي نظمه شاهدًا على نوع الاشتراك يستحق الجناس المعنوي، استحقاقًا ذوقيًّا وهو أسجم من هذا البيت وأرق للمعنى وأوقع في الأسماع. وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم:
بالحجر ساد فلا ند يشاركه ... حجر الكتاب المبين الواضح اللقم
هذا البيت يجب أن يعتمد عليه في هذا النوع، ولا يخفى على أهل الذوق السليم ما في تركيبه. والعميان ما نظموه في بديعيتهم. وبيت عز الدين تقرر أن الجناس المعنوي أحق به، واشتراك بيتي في لفظة الحجر، فإني قلت في أول بيتي بالحجر ساد وهذه اللفظة مشتركة بين العقل وسورة الحجر، فلما قلت في الشطر الثاني: حجر الكتاب المبين، زال الالتباس عن السامع وعلم المراد، وترشح عنده جانب السورة المنزلة على الممدوح فيه، صلى الله عليه وسلم.