بثالث، فأوردت هنا من مطرب عطر مفرداته ما يغني عن المثاني والمثالث، فإنه أحد أئمة هذا المذهب، وإذا ذكرت التورية فهو عذيقها المرجب، وعلى كل تقدير ففرسان العلمين المشهورين الفاضلي والنباتي هم الذين أبرزوا عروس التورية من خدرها، وحققوا للناس من تساذج عن نقوش القاعدة وسفل عن علوّ قدرها، ولم أخل بذكر الشهاب محمود، وكان محمود الحشمة في ألفاظه على كل ناظم وناثر، إلا أن التورية كانت غير مذهبه، ووقوعها في نظمه ونثره من النوادر، وتمذهب بها القاضي شهاب الدين بن فضل الله، ولكن ما تفقه في هذا المذهب ولا حرره، ولا أبدر فيها بدر الدين بن حبيب، وكانت ليالي سطورها بنظمه غير مقمرة، ولهذا خدمها حذاق الأدب وحافظوا على الخدمة وثابروا وأنشدوا من رضي بالشعر الموزون:

إذا كنت لا تدري سوى الوزن وحده ... فقل أنا وازن وما أنا شاعر1

قلت: ومما تخيرته من نظم القاضي شهاب الدين بن فضل الله -رحمه الله- من النكت التي وقعت له عفوًا من غير كد ولا تكلف، قوله:

جاءوا بأنواع من الطيب لنا ... تحملها معشوقة ممشوقه2

قلت خذوا الطيب لكم جميعه ... بشرط أن لا تأخذوا المعشوقه

ومما اخترته من نظم بدر الدين بن حبيب -رحمه الله تعالى- قوله:

وجنته الحمراء لما اكتست ... خضرة أذناب الطواويس

عابوا لفرط الحسن دينارها ... فقلت خلوه على كيسي

قلت: وقد عنَّ لي أن أورد هنا نبذة من نظم من كانت التورية غير مذهبه، لأجعلها في مهالك الأشكال وموانع العقادة جل مطلبه، وما عليَّ ممن تأخر عصرًا أو تقدم، فإن الغرض أن يصير عقد التورية وهو بنظم من شعر بها منظم، وما خفي أن من حذاق الأدب من وقعت له التورية عفوًا، وصار العفو محلًا عند القدرة، ومنهم من نقب عنها وعسعس عليه ظلام التكليف، فلم يبرزها نيرة، كالشيخ صفي الدين، فإنها كانت غير مذهبه، وحاولوا مرارًا فأتى بها مغصوبة، ولم يبلغ من اقتناص شواردها بحبائل فكره مطلوبه، كقوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015