الدين وإجازته، بعد أن علمت دقائق الدرجتين في النظم والنثر، واتضح الفرق بينهما وثبت أن الشيخ جمال الدين بن نباتة سقى الله نباته ورعاه، ومتع أهل الذوق السليم بحلاوة ذلك النبات وجناه، فإنه وإن تأخر في السبق عن فحول المتقدمين عصرًا، فقد تقدم عليهم ببديعه وغريبه بيانًا وسحرًا، وتفقه في الطريق الفاضلية لمذاهب ما سلكها المتقدمون وها نحن نستجدي من حواصلها نظمًا ونثرًا، وكم سأله عالم في سلوك هذه الطريقة فقال له إنك لن تستطيع معي صبرًا، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا.
وإن قيل إن الفاضل أجل من تمذهب بهذا المذهب فمذهبي، وأنا أستغفر الله، أنه وصل فيه إلى درجة الاجتهاد، وهذا القول يقول به من رفع الخلاف وتأدب، فإن هذه الطريقة ما أمَّها1 ناظم ولا ناثر في الأيام الأموية، ولا ابتسمت لهم ثغورها في الخلافة العباسية، ولما انتهت الغاية إلى الفاضل أتى بهذه الفضيلة الغريبة وأظهر منها الزيادة المستفادة، واعتادت بلغاء المتأخرين بها بعد ما شهدوا بسبقه فأكرم بها عادة وشهاده، ولما اتصلت بالشيخ جمال الدين بن نباتة أهل غربتها، وشرّف بأصل شجرته النباتية نسبتها، وأسكن في أبياته من بديع النظم كل قرينة صالحة، وأمست سواجع إنشائها على فروعه النباتية صادحة. وقد عنَّ لي أن أورد نبذة من مفرداته التى حصل الإجماع في الغرابة عليها، وأشار المصنف بقوله إليها:
أصغ لما قال أخو وقته ... وخلّ عنك اليوم ما قيلا
واسمع مقاطيعًا له أطربت ... ولا تقل إلا مواصيلا
فمن ذلك قوله:
حملت خاتم فيه فصًّا أزرقا ... من كثرة اللثم الذي لم أحصه2
لولاه ما علم الرقيب فيا له ... من خاتم نقل الحديث بفصه
ومنه قوله:
لله خال على خد الحبيب له ... في العاشقين كما شاء الهوى عبث3
ورَّثته حبة القلب القتيل به ... وكان عهدي أن الخال لا يرث