بدائعه وغرائبه. ولكن أقول إن الجزاء من جنس العمل. فكما أغار الشيخ جمال الدين على الوداعي ودخل إلى بيوته وابتذل حجاب بنات فكره، قيض الله له الشيخ صلاح الدين الصفدي. فإن الشيخ جمال الدين -رحمه الله- كان يخترع المعنى الذي لم يسبق إليه، ويسكنه بيتًا من أبياته العامرة بالمحاسن، فيأخذه الشيخ صلاح الدين الصفدي، بلفظه ولم يغير فيه غير البحر، وربما عام به في بحر طويل يفتقر فيه إلى كثرة الحشو واستعمال ما لا يلائم، فلم يصبر الشيخ جمال الدين على ذلك، وصنف كتابًا ألفه من نظمه ونظم الشيخ صلاح الدين الصفدي، وسماه: "خبز الشعير" يعني أنه مأكول مذموم، واستهل خطبته بقوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا} 1، ورتب كتابه المذكور على قوله: "قلت أنا فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال". وكنت أوردت من خبز الشعير نبذة في أوائل هذا الكتاب، ولكن لم يرض باب التورية إلا بإيراده هنا كاملًا؛ لأنه حق من حقوقها، فمن ذلك قول الشيخ جمال الدين بن نباتة، قلت:

ومولع بفخاخ ... يمدّها وشباك

قالت لي العين ماذا ... يصيد قلت كراكِ "ي"2

فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال:

أغار على سرح الكرى عندما رمى الـ ... ـكراكي غزال للبدور يحاكي

فقلت ارجعي يا عين عن ورد حسنه ... ألم تنظريه كيف صاد كراك "ي"

قال الشيخ جمال الدين بن نباتة: قلت:

أسعد بها يا قمري برزة ... سعيدة الطالع والغارب3

صرعت طيرًا وسكنت الحشا ... فما تعديت عن الواجب

فأخذه الشيخ صلاح الدين وقال:

قلت له والطير من فوقه ... يصرعه بالبندق الصائب4

سكنت قلبي فحركته ... فقال لم أخرج عن الواجب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015