مما يؤيد قولي أنه غير مذهبي ومذهب من نسجت على منواله، ويعجبني هنا قول الشيخ زين الدين عمر بن الوردي رحمه الله تعالى:
إذا أحببت نظم الشعر فاختر ... لنظمك كل سهل ذي امتناع
ولا تقصد مجانسة ومكن ... قوافيه وكله إلى الطباع
وكان الأسعد بن مماتى أيضًا، ممن لم يجعل الجناس له مذهبًا في نظمه، وما أحلى ما قال:
طبع المجنس فيه نوع قيادة ... أو ما ترى تأليفه للأحرف
ومن غريب ما يحكى: أن الشيخ صلاح الدين الصفدي، مع تهافته على الجناس والتزامه بما صنفه في جنسه وأنواعه، زاحم ابن مماتى في لفظ بيته ومعناه فقال:
ألا إن من عانى القريض بطبعه ... يقود فأرسله لمن صد واحتشم
ألم تره إن قال شعرًا مجانسًا ... يؤلف ما بين الحروف إذا نظم
فانظر كيف أخذ المعنى وغالب الألفاظ، ولم يتمكن من نظم ذلك إلا في بيتين، أتى فيهما بكثرة الحشو مع قلة الأدب على أهله، فإن الأسعد أثبت القيادة لطبع المجنس، والشيخ صلاح الدين أثبت الحكم المذكور لمن يعاني نظم الشعر، وقد طال الشرح وتعين الكلام على الجناس، لأن الشروع فيه يلزم لأجل المعارضة لمن تقدمني من ناظمي البديعيات.
أما هذا النوع فإنه ما سمي جناسًا إل لمجيء حروف ألفاظه من جنس واحد، ومادة واحدة، ولا يشترط فيه تماثل جميع الحروف، بل يكفي في التماثل ما تعرف به المجانسة. وأما اشتقاق الجنس فمنهم من يقول: التجنيس، هو تفعيل من الجنس، ومنهم من يقول: المجانسة، المفاعلة من الجنس أيضًا، إلا أن إحدى الكلمتين، إذا تشابهت بالأخرى، وقعت1 بينهما مفاعلة الجنسية. والجناس مصدر جانس، ومنهم من يقول: التجانس، التفاعل من الجنس لأنه مصدر تجانس الشيئان، إذا دخلا في جنس واحد، ولما انقسم أقساما كثيرة وتنوع أنواعًا عديدة، تنزل منزلة الجنس الذي يصدق على كل واحد من أنواعه، فهو حينئذ جنس، وأنواع: التام والمحرف والمصحف والملفق، وهلم جرا. كما أن البديع جنس وأنواعه: الجناس واللف والنشر والاستعارة والتورية والاستخدام وغير ذلك من أنواع البديع، وأما حدود أنواع الجناس، فقد اختلفت