ذكر الإغراق:

لو شاء إغراق من ناواه مد له ... في البر بحرًا بموج فيه ملتطم

قد تقرر في نوع المبالغة أنها إفراط وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه عادة. وهذا النوع، أعني الإغراق، فوق المبالغة، ولكنه دون الغلو، وهو في الاصطلاح إفراط وصف الشيء بالممكن البعيد وقوعه عادة. وقل من فرق بينهما. وغالب الناس عندهم المبالغة والإغراق والغلو نوع واحد. وهنا لم يعمل بقول الحريري: سامح أخاك إذا خلط.

وكل من الإغراق والغلو لا يعد من المحاسن إلا إذا اقترن بما يقربه إلى القبول، كقد، للاحتمال، ولولا، للامتناع، وكاد، للمقاربة، وما أشبه ذلك من أنواع التقريب.

وما وقع شيء من الإغراق والغلو، في الكتاب العزيز، ولا في الكلام الفصيح، إلا مقرونًا بما يخرجه من باب الاستحالة، ويدخله في باب الإمكان، مثل: كاد ولو، وما يجري مجراهما، كقوله تعالى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَار} 1 إذ لا يستحيل في العقل أن البرق يخطف الأبصار، لكنه يمتنع عادة ما زاد وجه الإغراق هنا جمالًا إلا تقريبه بكاد، واقتران هذه الجملة بها هو الذي صرفها إلى الحقيقة، فقلبت من الامتناع إلى الإمكان.

ومن شواهد تقريب نوع الإغراق، بلو، قول زهير:

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015