من الذوق: ويبرزه من قراب الشك إلى القطع باليقين، وما ذاك إلا أنه لما انفرد كمال الدين عبد الرزاق الأصفهاني برسالة القوس، واستوفى جميع المحاسن، وجاء الشيخ جمال الدين بن نباتة برسالة السيف والقلم، وأظهر فيها معجزات الأدب، أردت أن أعززهما من اختراع رسالة السكين بثالث، واستهليتها بقولي: يقبل الأرض التي قامت حدود مكارمها، وقطعت عنا مكروه الفاقة بمسنون عزائمها. منها: وينهى وصول السكين التي قطع المملوك بها أوصال الجفا، وأضافها إلى الأدوية، فحصل بها البرء والشفا، وتالله ما غابت إلا وبلغ الأقلام من تقشيرها إلى الحفى1. منها: ما شاهدها موسى إلا سجد في محراب النصاب، وذل بعدما خضعت له الرءوس والرقاب، كم أيقظت طرف القلم بعد ما خط، وعلى الحقيقة ما رؤي مثلها قط، وكم وجد الصاحب بها في المضايق نفعًا، وحكم بحسن صحبتهما قطعًا، من أجل أنها تدخل في مضايق ليس للسيف قط فيها مدخل، وكلما تفعله توجزه والرمح في تعقيده مطول، تطرف بأشعتها الباهرة عين الشمس، وبإقامتها الحد حافظت الأقلام على مواظبة الخمس، وكم لها من عجائب تركت السيف في بحر غمده كالغريق، ولو سمع بها من قبل ضربه ما حمل التطريق.

انتهى ما أوردته من براعة الاستهلال نثرًا ونظمًا ومن لم ير بهجة ما أبرزته للمتأخرين فهو في هذه أعمى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015