لسجع المطوق1 في الأوراق النباتية مثل سجعها، وأشواقًا برحت بالمملوك ولكن تمسك في مصر بالآثار:
وأبرح ما يكون الشوق يومًا ... إذا دنت الديار من الديار
وهذه الرسالة لكونها نظمت في طويل البحر ومديده، يفتقر إلى سرد غالبها لتعلقها بحكاية الحال وينهي وصول المملوك إلى مصر مخيمًا بكنانتها، وهو بسهم البين مصاب مذعور لما عاينه من المصارع عند مقاتل الفرسان في منازل الأحباب، مكلمًا2 من ثغر طرابلس الشام بألسنة الرماح، محمولا على جناح غراب، وقد حكم عليه البين أن لا يبرح سفره على جناح:
وكان في البين ما كفاني ... فكيف بالبين والغراب3
منها: يا مولانا، وأبثك ما لاقيت من أهوال البحر، وأحدث عنه ولا حرج، فكم وقع المملوك من أعاريضه في زحاف تقطع منه القلب لما دخل إلى دوائر تلك اللجج، وشاهدت منه سلطانًا جائرًا يأخذ كل سفينة غصبًا، ونظرت إلى الجواري الحسان وقد رمت أزر قلوعها4 وهي بين يديه لقلة رجالها تسبى، فتحققت أن رأى من جاء يسعى في الفلك غير صائب، واستصوبت هنا رأي من جاء يمشي وهو راكب، وزاد الظمأ بالمملوك وقد اتخذ في البحر سبيله، وكم قلت، من شدة الظمأ، يا ترى قبل الحفرة أطوي من البحر هذه الشقة الطويلة:
وهل أباكر بحر النيل منشرحًا ... وأشرب الحلو من أكواب ملاح
بحر تلاطمت علينا أمواجه حتى متنا من الخوف، وحملنا على نعش الغراب، وقامت واوات دوائره مقام مع، فنصبنا للغرق لما استوت المياه والأخشاب، وقارن العبد فيه سوداء، استرقت مواليها وهي جارية، وغشيهم منها في اليم ما غشيهم، فهل أتاك حديث الغاشية، واقعها الريح فحملت بنا، ودخلها الماء فجاءها المخاص، وانشق قلبها لفقد رجالها وجرى ما جرى على ذلك القلب ففاض، وتوشحت بالسواد في هذا المأتم، وسارت على البحر وهي مثل وكم، سمع فيها للمغاربة على ذلك التوشيح زجل برج