فإنه استهلها بقوله: الحمد لله الذي شرح صدر من تأدب. والكتاب مبني على شيء من علم الأدب.

وأما البراعات التي يحلو تقبيلها بوجنات الطروس، فمنها براعة الشيخ جمال الدين بن نباتة، من رسالة كتبها إلى القاضي علاء الدين الحسني، واستهلها بقوله: يقبل الأرض العلية على السحاب نسبًا. وقال بعد الاستهلال: الموفية على حصباء الأنجم حسبًا. هذا الأدب إن أطنبت في وصفه فهو فوق الوصف.

وكتب إليه الشيخ برهان الدين القيراطي، من القاهرة المحروسة إلى دمشق المحروسة، رسالة بليغة واستهلها بقوله: يقبل الأرض التي سقت السماء نباتها. وقال بعد البراعة: وحرس الله ذاتها وعمر معاني الحسن أبياتها.

ومن أظرف ما وقع من البراعات المتوشحة برداء التبكيت، براعة القاضي فخر الدين عبد الوهاب، كاتب الدرج، فإنه كان له صديق منهم يعبده، فكتب إليه رسالة يداعبه فيها، واستهلها بقوله: يقبل اليد الشهابية، كثر الله عبيدها. وقال بعد البراعة: وضاعف خدمها وأضعف حسودها. وقد خطر لي أن أوردها بكمالها لوجازتها1 وغرابة أسلوبها، فإنه قال بعد يقبل الأرض إلخ: وينهي بعد ولاء يمتد ودعاء يستد2 وثناء كأنه عنبر أو كافور راوند3، إن مولانا توجه، والأعضاء خلفه سائره، وكل عين لغيبته ساهره، ولا يخفى عليه شوق العليل إلى الشفاء، والظمآن إلى صيِّب الماء، والغريب إلى بلده، والمحصور إلى سعة مسلكه ومقعده، فمولانا يطوي هذه الشقة، ويقصر هذه المدة، ويدع أحد غلمانه يسد مسده4، فالمملوك قلق لسماع أخبار التشويش في البلاد، وتطرق أهل الجرائم والفساد، فمولانا يرسم لغلمانه أن يشمروا في خدمته ذيلًا، ويسهروا عليه بالنوبة5 لمن يطرق ليلًا، والله المسئول أن تكون هذه السفرة معجلة، ويخص فيها بالتبرك مخرجه ومدخله، ويبلغه من فضله مزيدًا، ويجعل يومه عليه مباركًا وليله عليه سعيدًا.

وكتب المقر للمخدومي فضل الله بن مكانس، مجد الأدب الذي ظهر من بيته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015