ابن العجمي، عين كتاب الإنشاء الشريف بالأبواب الشريفة، وبقية الفضلاء الذين فضلوا بالطريق الفاضلية، بسبب عبد الله القيرواني الضرير، فإني نقلت من خط المشار إليه ما صورته: ورد علينا شخص من القيروان ضرير، يتعاطى نظم الشعر المقفى الموزون الخالي من المعاني، فتردّد إليّ مجالس متفرقة، ثم بلغني بعد ذلك أنه وشى إلى صاحبي الشيخ زين الدين بن العجمي، بأني اهتضمت من جانبه وانتقصته وغضضت منه، بالنسبة إلى الأدب وأنه يستعين بكلام الغير كثيرًا، فتأذى بسبب ذلك وتأذيت من كذب الناقل، فكتبت إليه رقعة براعة استهلالها {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} 1.

أقول: إنه يستغني بهذه البراعة عن الرسالة.

منها: وبلغ المملوك أنه رماه بعض الأصحاب برمية مثل هذه فأصمي2 وتردد إليه مرة أخرى فعبس وتولى أن جاءه الأعمى. ولقد خسرت صفقته، إذ المملوك ما برح مخلصًا لمولانا في ولائه، ومبايعًا له على سلطنة البلاغة وأجل من تشرف بحمل لوائه.

ومولانا بحمد الله أولى من استفتى قلبه، واستدل على صفاء صدق محبته، بشواهد المحبة، ولمسئول من صدقاته أمران: أحدهما الجواب، فإنه يقوم عند المملوك مقام الفرج من هذه الشدة، والآخر رد كل فاسق عن هذا الباب العالي، فإن أبا بكر أولى من يصلب في الردة. انتهى كلام القاضي فخر الدين.

ولقد كشف الشيخ جمال الدين بن نباتة عن هذا الوجع القناع، وأظهر من بهجته، في رسالة السيف والقلم، ما ليس لمطالع البدور عليه اطلاع، فإن الرسالة مبنية على المفاخر بينهما، ولما انتصب القلم لمفاخرة السيف كانت براعته {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} 3 واستهل بعدها بقوله: الحمد لله الذي علم بالقلم وشرفه بالقسم. وبراعة استهلال السيف قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} 4 واستهل بعده بقوله: الحمد الله الذي جعل الجنة تحت ظلال السيوف، وشرع حدها في ذوي العصيان فأغصتهم بماء الحتوف5، وما أظن أن أحدًا من المتقدمين نسج على هذا المنال، ولا نفث في عقد أقلامهم مثل هذا السحر الحلال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015