انجذاب الدم إلى الخد، وليته في براعة استهلاله بقول الله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا} 1 قال بعدها: اللهم ومن دخل بيتي كافرًا بفوائدي المنعمة وبيت شعري، سارقًا من ألفاظه ومعانيه المحكمة، فأخجله في سره وعلانيته، وعاقب على قوله ونيته.

ومنها بلغني أن بعض أدباء عصرنا، ممن منحته ودي، وأنفقت على ذهنه الطالب ما عندي، وأقمته، وهو لا يدري الوزن، مقام من زكاه نقدي، وأودعته ذخائر فكري فأنفقتها، وأعرته أوراقي العتيقة فلا والله ما ردها ولا أعتقها، بل إنه غير الثناء بالهجاء والولاء بالجفاء، ونسبني إلى سرقة الأشعار مع الغناء عنها والغنى، فتغاضيت وقلت: هماز مشاء، بنميم2 وغصة صديق أتجرعها ولو كانت من حميم، وأخليت من حديثه باب فمي ومجلس صدري ذكره عن فكري.

ولكن، وقفت له على تصانيف وضعها في علم الأدب، والعلم عند الله تعالى، ووشحها بشعره المغصوب المنهوب، يقول: يا صاحبي، ألا لا. وما يتوضح من جيد تلك الأشعار لمعة إلا ومن لفظي مشكاتها3 ولا تتضوع زهرة إلا ومني في الحقيقة نبتها، فضحكت والله من ذهنه الذاهل وذكرت على زعمه قول القائل:

وفتى يقول الشعر إلا لأنه ... فيا علمنا يسرق المسروقا

وعجبت له كيف رضي لنفسه هذا الأمر منكرا، وكيف حلا لذوقه اللطيف هذا الحرام مكررًا، وقد أوردت الآن، في هذا الكتاب، قدرًا كافيًا ووزنًا من الشعر وافيًا، وسميته، خبز الشعير المأكول المذموم، وعرضته على معدلة مولانا، ليعلم أينا مع خليله مظلوم.

ولولا الإطالة لأوردت جميع أبيات الشيخ جمال الدين التي دخلها الشيخ صلاح الدين، بغير طريق، ليرتدع القاصر عن التطاول إلى معاني الغير.

ومن البراعات التي يستهل بها في هذا الأفق الذي مرآة سمائه صقيلة، براعة المقر المخدومي القضائي الفخري عبد الرحمن بن مكانس، مالك أزمة البلاغة، وملك المتأخرين، نظمًا ونثرًا، في رسالة كتبها إلى المقر المرحومي القضائي الزيني أبا بكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015