فقال له شيخنا قاضي القضاة علاء الدين: يجب أن تقول لأجل المناسبة المعنوية، موضع خبير بصير.
وقد عدوا من محاسن الأمثلة المعنوية قول أبي الطيب المتنبي:
على سابح موج المنايا بنحره ... غداة كان النبل في صدره وبل1
فإن بين لفظة السباحة ولفظتي الموج والوبل تناسبًا معنويًّا صار البيت به متلاحمًا.
والذي عقد الناس عليه الخناصر، في هذا الباب، قول ابن رشيق القيرواني:
أصح وأقوى ما رويناه في الندا ... من الخبر المأثور منذ قديم
أحاديث ترويها السيول عن الحيا ... عن البحر عن جود الأمير تميم2
قال زكي الدين بن أبي الأصبع: هذا أحسن شعر سمعته في المناسبة المعنوية، فإنه وفى المناسبة حقها، وناسب في البيت الأول بين الصحة والقوة والرواية والخبر المأثور، وناسب في البيت الثاني بين الأحاديث والرواية والعنعنة، هذا مع صحة ترتيب العنعنة، من حيث أنها جاءت صاغرًا عن كابر وآخرًا عن أول، كما يقع في سند الأحاديث، لأن السيول فرع الحيا أصله، وكذلك الحيا فرع البحر أصله، ثم نزل البحر منزلة الفرع، وجود الممدوح منزلة الأصل للمبالغة في المدح، وهذا غاية الغايات في هذا الباب.
أقول: إنني زاحمت ابن رشيق القيرواني هنا بالمناكب، وأبطلت موانع التعقيد لما دخلت معه إلى هذه المطالب، وما ذاك إلا أنني امتدحت شيخي المشار إليه أولًا، مولانا قاضي القضاة ابن القضامي الحنفي بموشح بيت مخلصه تحفة في هذا الباب، لأن مناسباته المعنوية رفعت عن محاسنها الحجاب، وهو:
رقم السوالف يروي لي بمسنده ... عن رقتي حيهم يا طيب مورده
وثغرها قد روى لي قبل ما احتجبت ... عن برق ذاك النقا أيام معهده3
والريق أمسى عن المبرد ... يروي حديث العذيب مسند
عن الصفا عن مذاب الشهد والعسل ... عن ذوق سيدنا قاضي القضاة علي