فعلمه وافر والزهد ناسبه ... وحلمه ظاهر عن كل مجترم1
المناسبة، على ضربين: مناسبة في المعاني، ومناسبة في الألفاظ. فالمعنوية هي أن يبتدئ المتكلم بمعنى، ثم يتمم كلامه بما يناسب معنى دون لفظ. وهذا النوع، أعني المناسبة المعنوية، كثير في الكتاب العزيز فمنه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ} 2. فانظر إلى قوله سبحانه وتعالى، في صدر الآية التي هي للموعظة: أولم يهد لهم، ولم يقل أولم يروا لأن الموعظة سمعية، وقد قال بعدها: أفلا يسمعون. وانظر كيف قال في صدر الآية التي موعظتها مرئية: أولم يروا، وقال بعد الموعظة البصرية أفلا يبصرون.
ومن أظرف ما أنقله هنا، من النقد اللطيف في هذا الباب، أن قاضي القضاة عماد الدين ابن القضامي، أخا شيخنا قاضي القضاة علاء الدين الحنفي نور الله ضريحه، وجعل من الرحيق المختوم غبوقه وصبوحه، نظم قصيدة امتدح بها المقر المرحومي السيفي أرغون الأسعردي، كافل المملكة الشريفة الحموية، وعرضها قبل إنشادها للمدح على أخيه المشار إليه، فانتهى منها في المديح إلى بيت يقول فيه:
خبير بتدبير الأمور فمن يرى ... سوى ما يراه فهو في هذه أعمى