عين الكمال كمال العين رؤيته ... يا عكس طرف من الكفار عنه عمي
العكس، في اللغة: رد آخر الشيء على أوله، ويقال له التبديل. وفي الاصطلاح: تقديم لفظ من الكلام ثم تأخيره، ويقع على وجوه كثيرة ولكن المراد هنا ما استعمل منها وكثر استعماله، فالمقدم، في هذا الباب، قوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 1 العكس هنا مميز بعلو طباقه، وبشرف القدرة الإلهية التي لا تصدر إلا عن عظمة الخالق جلت قدرته، وبلاغة القرآن وإيجازه وفصاحته. وعلى كل تقدير، فالعكس نوع رخيص بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع الغالية، وإن لم يصوب البليغ عكسه بنكتة بديعية تنظمه في سلك أنواع البديع، فهو مستمر على عكسه، كقول القائل:
زعموا أني خئون في الهوى ... في الهوى أني خئون زعموا
هذا البيت ليس فيه نكتة تزيل عنه العكس وتحليه بشعار البديع، ولو أراد الشاعر أن يرتجل مثله ما شاء في مجلس واحد لكان ذلك قدرًا يسيرًا، وأين هذا الناظم من أبي تمام وقد قال له بعض حساده: لم لا تقول ما يفهم؟ فقال له على الفور: لم لا تفهم ما يقال؟ وأين هو من قول الحكيم الذي قيل له: لم تمنع من يسألك؟ فقال: لئلا أسأل من يمنعني، وأين هو من كلام الحكيم الذي قال: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. وقيل: إنه ورد في الحديث: "جار الدار أحق بدار الجار" وما أبلغ قول الحسن بن سهل هنا،