ثم قال، أعني ابن أبي الأصبع: رحم الله جميلًا لقد تظرف في هذين البيتين ما شاء، لأنه أتى بهما من باب الهزل الذي يراد به الجد، وأغرب في القسم فيهما، وأدمج في القسم حسن ائتلاف اللفظ مع المعنى، وأتى بما لا يوفيه واصف حقه. انتهى كلام ابن أبي الأصبع.

قلت: وإذا وصلنا في القسم إلى باب الهزل الذي يراد به الجد، فهذب الدين بن منير الطرابلسي قائد هذا العنان، وفارس هذا الميدان، وما ذاك إلا أنه هاجر إلى مدينة السلام بغداد، والشريف الموسوي نقيب الأشراف بها، وبابه حرم الوافدين، وينابيع الفضل التي هي مناهل الواردين. وكان يقال إن الشريف المشار إليه من كبار الشيعة ببغداد، وعلى هذا أجمع غالب الناس، فجهز إليه ابن منير عند قدومه بغداد هدية مع مملوكه تتر، بل معشوقه الذي اشتهر به في الخافقين غرامه، وأبدع في أوصافه الجميلة نظامه، فقبل الشريف هديته، واستحسن المملوك فأدخله في الهدية، وقصد أن يعوضه على ذلك بأضعافه، فلما شعر ابن منير بذلك التهبت أحشاؤه على مملوكه بل معشوقه تتر، وكتب إلى الشريف على الفور قصيدة أولها:

عذبت قلبي يا تتر ... وأطرت نومي بالفكر

ومنها:

بالمشعرين وبالصفا ... والبيت أقسم والحجر1

وبمن سعى فيها وطا ... ف به ولبى واعتمر

إن الشريف الموسوي ... بن الشريف أبي مضر

أبدى الجحود ولم يرد ... إليَّ مملوكي تتر

واليت آل أمية ... الطهر الميامين الغرر

وجحدت بيعة حيدر ... ورجعت عنه إلى عمر

وإذا جرى ذكر الصحابة ... بين جمع واشتهر

قلت المقدم شيخ ... تيم ثم صاحبه عمر2

ما سل قط ظبا على ... آل النبي ولا شهر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015