وأحسن ما سمع في القسم على المدح قول الشاعر:
حفت بمن سوَّى السماء وشادها ... ومن مرج البحرين يلتقيان1
ومن قام في المعقول من غير رؤية ... فأثبت في إدراك كل عيان
لما خلقت كفاك إلا لأربع ... عقائل لم تعقل لهن ثواني2
لتقبيل أفواه وإعطاء نائلٍ ... وتقليب هندي وحبس عنان
والمقدم في هذا الباب، وهو الذي انتهت إليه نهاية البلاغة، قوله تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} 3 فإنه قسم يوجب الفخر، لتضمنه التمدح بأعظم قدرة وأكمل عظمة حاصلة من ربوبية السماء والأرض، وتحقيق الوعد بالرزق، وحيث أخبر سبحانه وتعالى أن الرزق في السماء وأنه رب السماء، يلزم من ذلك قدرته على الرزق الموعود به دون غيره. انتهى الكلام على القسم الذي يراد به الفخر والمدح والتعظيم. وأما ما جاء من القسم في النسيب فكقول الشاعر:
جنى وتجنى والفؤاد يطيعه ... فلا ذاق من يجني عليه كما يجني
فإن لم يكن عندي كعيني ومسمعي ... فلا نظرت عيني ولا سمعت أذني
ومما جاء من القسم في الغزل قول ابن المعتز:
لا والذي سل من جفنيه سيف ردى ... قدت له من عذاريه حمائله4
ما صارمت مقلتي دمعًا ولا وصلت ... غمضًا ولا سالمت قلبي بلابله5
الذي وقع عليه الاتفاق أن هذا أحسن ما وقع من القسم في الغزل، إذ القسم والمقسم عليه كل منهما داخل في باب الغزل، ولكن، قال الشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع: إن الذي وقع لجميل بن معمر العذري في هذا الباب، ما تحسن العبارة تفصح عن لفظه ووصفه، وهو قوله على لسان محبوبته:
قالت وعيش أبي وأكبر إخوتي ... لأنبهبن الحي إن لم تخرج
فخرجت خيفة أهلها فتبسمت ... فعلمت أن يمينها لم تلجج6