ذكر عتاب المرء نفسه:

يا نفس ذوقي عتابي قد دنا أجلي ... مني ولم تقطعي آمال وصلهم

هذا النوع أعني، عتاب المرء نفسه، لم أجد العتب مرتبًا إلا على من أدخله في البديع وعده من أنواعه وليس بينهما نسبة، والذوق السليم أعدل شاهد على ذلك، ولولا أن الشروع في المعارضة ملزم ما نظمت حصاه مع جواهر هذه العقود، ونهاية أمره أنه صفة لحال واقعة ليس تحتها كبير أمر، وهو من أفراد ابن المعتز، ولم يورد فيه غير بيتين ذكر أن الأسدي أنشدهما عن الجاحظ، وهما:

عصاني قومي في الرشاد الذي به ... أمرت ومن يعص المجرب يندم

فصبرًا بني بكر على الموت إنني ... أرى عارضًا ينهل بالموت والدم1

قال زكي الدين بن أبي الأصبع، وقوله صحيح: لم أر في هذين البيتن ما يدل على عتاب المرء نفسه، إلا أن هذا الشاعر لما أمر بالرشاد، وبذل النصح ولم يطع، ندم على بذل النصيحة لغير أهلها، ويلزم من عتابه لنفسه، فتكون دلالة البيتين على عتابه لنفسه دلالة التزامية، لا دلالة المطابقة، ولا يصلح أن يكون شاهدًا على هذا النوع، إلا قول شاعر الحماسة:

أقول لنفسي في الخلاء ألومها ... لك الويل ما هذا التجلد والصبر

انتهى كلام ابن أبي الأصبع، فانظر ما أحلى ما صرح هذا الشاعر بذكر النفس واللوم لها، وخاطبها بكاف الخطاب، ليتمكن عتبه وتقريعه المؤلم لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015