توجيهًا مطابقًا لمعنى اللفظ الثاني، من غير اشتراك حقيقي بخلاف التورية، وهذا هو مذهب الشيخ صفي الدين، وعلى هذا المنوال نسج بديعيته، وقد تقدم أن بديعيته نتيجة سبعين كتاب في هذا الفن، وعلى منواله نسجت بديعيتي، لأجل المعارضة.

قد أدخل جماعة نوع التوجيه في التورية وليس منها. والفرق بينهما من وجهين: أحدهما أن التورية تكون باللفظة المشتركة والتوجيه باللفظ المصطلح عليه. والثاني أن التورية تكون باللفظة الواحدة، والتوجيه لا يصح إلا بعدة ألفاظ متلائمة، كقول علاء الدين الوداعي:

من أم بابك لم تبرح جوارحه ... تروي أحاديث ما أوليت من منن

فالعين عن قرة والكف عن صلة ... والقلب عن جابر والأذن عن حسن

أقول: لو بلغت ما عسى أبلغه، لما وجدت للمتقدمين شاهدًا أحسن من هذين البيتين، على هذا النوع، ولذلك قدمتهما. سبحان المانح، لقد أظهر الشيخ علاء الدين الوادعي من محاسن الأدب في التوجيه وجوهًا تخجل الأقمار، ويتمسك الناس بعده بطيب هذه الآثار. أما قرَّة فهو قرَّة بن خالد السدودسي وهو ثقة يروي عن الحسن وابن سيرين وليس بتابعي. وأما صلة فهو صلة بن أشيم العدوي، كان من كبار التابعين، وهو زوج معاذة العدوية، وهي تروي عن عائشة. وأما جابر فهو جابر بن عبد الله، صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وليس بجابر الجعفي لأن جابر الجعفي ضعيف وهو تابعي، وإنما ضعفوه لأنه كان يؤمن بالرجعة. وأما الحسن فهو الحسن البصري، كان تابعيًّا كبيرًا، رأى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نحوًا من ثلثمائة رجل. فللَّه در الوداعي لقد أودع في بيته نفائس الذخائر، وقال فلم يترك مقالًا لشاعر، وكان من المتقدمين عصرًا وعلمًا في اقتناص شوارد النكت الأدبية، والأنواع البديعية، وإبراز التورية في القوالب التي لم يسبق إليها، وعلى موائد معانيه ونكته تطفل الشيخ جمال الدين بن نباتة في مواضع كثيرة. وقد عن لي، وإن طال الشرح، أن أذكر نبذة من ذلك ليتأيد قولي، ويعرف رتبة الشيخ علاء الدين من كان بها جاهلًا.

قال الشيخ علاء الدين، من قصيدة مطولة:

أثخنت عينها الجراح ولا ... إثم عليها لأنها نعساء1

زاد في عشقها جنوني فقالوا ... ما بهذا فقلت بي سوداء2

طور بواسطة نورين ميديا © 2015