الإبصار صح. فتسمية النوع هنا بالإبهام أليق من تسميته بالتوجيه، ومطابقة التسمية فيه لا تخفى على أهل الذوق الصحيح، وهذا مذهب ابن أبي الأصبع، فإنه هو الذي تخير الإبهام، ونزل عليه هذه الشواهد واختصر التوجيه من كتابه، وقال في ديباجته: وربما أبقيت اسم الباب وغيرت مسماه إذا رأيت اسمه لا يدل على معناه. وقد أجمع الناس على أن كتابه المسمى "بتحبير التحرير" أصح كتاب أُلِّف في هذا الفن، لأنه لم يتكل فيه على النقل دون النقد، وغالب الجماعة غيروا بعض القواعد، وبدلوا أكثر الأسماء والشواهد، ووضعها في غير محلها، وإذا وصلت إلى بديع ابن منقذ وصلت إلى الخبط والفساد، والجمع بين أسباب الخطاء وأنواعه، من التداخل والتبديل.

والسكاكي ومن تبعه سموا هذ النوع: التوجيه، ونسج الناس على منوالهم، إلى أن تخير ابن أبي الأصبع نوع الإبهام، وقرر له الشواهد التي هي أليق به من التوجيه. ولم أسمع، من شواهد الإبهام، غير البيت المنظوم في الخياط والبيتين المنظومين في الحسن بن سهل، وهذا النوع صعب المسلك في نظمه، لأن المراد من الناظم أن يبهم المعنيين، بحيث لا يكاد أحدهما يترجح على الآخر. ومن أظرف ما وقع في هذا الباب، وقد أوردته في باب الإبهام، أن القاضي زيد الدين بن القرناص الحلبي، غفر الله له، ألف تاريخًا قريبًا من قباء الخياط، وهاجر إلى حماة المحروسة، بسبب الكتابة عليه، ورسم لي بعد وقوفي عليه بالكتابة عليه، فكتبت على التاريخ المذكور هذين البيتين:

تاريخ زين الدين فيه عجائب ... وبدائع وغرائب وفنون

فأذاب تاه مناظر في جمعه ... خبره عني إنه مجنون1

ومن أغرب ما نقل من شواهد الإبهام، التي ما تليق بغيره، أن أبا مسلم الخراساني قال يومًا لسليمان بن كثير: بلغني أنك كنت في مجلس وقد جرى ذكري، فقلت: اللهم سود وجهه واقطع رأسه واسقني من دمه. قال: نعم، قلت ذلك ونحن جلوس بكرم حصرم، فاستحسن أبو مسلم إبهامه وعفا عنه لسداد جوابه.

رجع إلى ما كنا فيه من تقرير نوع التوجيه. قد تقدم أن المتقدمين نزلوه منزلة الإبهام، وسموه توجيهًا واستشهدوا عليه بالشواهد التي تقدم ذكرها. وأما التوجيه عند المتأخرين. فقد قرروا أن يوجه المتكلم بعض كلامه أو جملته إلى أسماء متلائمة اصطلاحًا، من أسماء الأعلام أو قواعد علوم وغير ذلك مما يتشعب له من الفنون،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015