وخلوص الهواء من اكتساب الحر، فيكون في البلاد الباردة شديد البرد، وفي البلاد الحارة معتدل البرد مستطابًا، فلهذا قالت: زوجي كليل تهامة، وحذفت أداة التشبيه ليقرب المشبه من المشبه به، وهذا مما يبينه لفظ التمثيل لكونه لا يجيء إلا مقدرًا بمثل غالبًا.
وقال ابن رشيق في العمدة: التمثيل والاستعارة ضرب من التشبيه، ولكنهما بغير أداة. والتمثيل هو المماثل عند بعضهم، وذلك أن تمثل شيئًا بشيء فيه إشارة منه، كقول امريء القيس:
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلب مقتل1
فمثل عينيها بالسهمين، ومثل قلبه بأعشار الجزور معناه: ما بكيت إلا لتقدحي في قلبي كما يقدح القادح في الأعشار، فتمت له جهات التمثيل والاستعارة.
وقد تقدم أن التمثيل ضرب من الاستعارة والتشبيه، وهو قريب التذييل، ولكن بينهما فرق دقيق وهو خلو التذييل من التشبيه، وألحقوا بهذا الباب، أعني التمثيل، ما يخرجه المتكلم مخرج المثل السائر، وأبلغ ما سمعته من الشواهد البليغة المستوعبة لشروط هذا الباب، قول أبي تمام:
أخرجتموه بكرة عن سجيته ... والنار قد تلتظي من ناضر السلم
أوطأتموه على جمر العقوق ولو ... لم يحرج الليث لم يخرج من الأجم2
ففي عجز كل من البيتين تمثل حسن، فإنه مثل فيهما حالته عند إخراجه كرهًا عن سجيته، يخاطب أحبابه، وقد أثروا به تلك الحالة، والنار قد تلتظي من ناضر السلم. قد هنا للتقليل، ومراده أن وقوع هذا منكم، وأنتم أحباب، عجيب. ومثل الحال بقوله: والنار قد تلتظي من ناضر السلم، وقال في عجز البيت الثاني عندما أوطؤوه على جمر العقوق: إن الليث لو لم يخرج ما خرج من الأجم. وهذا التمثيل والذي قبله في البيت الأول، غايتان في هذا الباب. وقد أخرج كلًّا منهما مخرج المثل السائر، على مذهب من يرى ذلك.
وبيت الشيخ صفي الدين:
يا غائبين لقد أضنى الهوى جسدي ... والغصن يذوي لفقد الوابل الردم3