ويعجبني في هذا الباب قول مجير الدين بن تميم:
لو كنت تشهدني وقد حمي الوغى ... في موقف ما الموت فيه بمعزل
لترى أنابيب القناة على يدي ... تجري دمًا من تحت ظل القسطل1
انظر أيها المتأمل إلى حسن ما ناسب، بين الأنابيب والقناة والجريان والقسطل، مع انقياد التورية إلى طاعته وحسن تصرفه، فإني أنا محقق أن الأمير مجير الدين بن تميم من فرسان هذا الميدان وممن أجاد في هذا الباب، وبالغ في الإحسان إلى غريب المناسبة.
وراعى جانب مراعاة النظير حسن الزغاري، بقوله:
كان السحاب الغر لما تجمعت ... وقد فرقت عنا الهموم بجمعها
نياق ووجه الأرض قعب وثلجها ... حليب وكف الريح حالب ضرعها2
فإنه أتى بالمعنى الغريب، والتشبيه البديع، وحسن المناسبة في مراعاة النظير، مع حلاوة الانسجام ولطف الاستعارة.
وأنشدني لنفسه الشيخ عز الدين، في هذا النوع، قوله:
بخد الحب ريحان نضير ... لأحرفه سطور ليس تقرا
فراعيت النظير وقلت بدري ... عذارك أخضر والنفس خضرا
والذي يظهر لي، أن خضرة النفس هنا من إيهام المناسبة.
ومما نظمته، في هذا النوع، قولي:
أبرزت معصمًا نهار وداعي ... شف بلوره فزاد حريقي
راح دمعي يرعى النظير ويبدي ... عند لثمي سلاسلًا من عقيق3
فحسن المناسبة هنا، بين المعصم والسلاسل، والعقيق والبلور، مع إبراز تسمية النوع البديعي والنسيب المطرب الغزلي في معنى توريته.
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي:
تجار لفظ إلى سوق القبول بها ... من لجة الفكر تهدي جوهر الكلم