ومن تجاهل العارف، للمبالغة في تعظيم الممدوح، قول ابن هانئ المغربي:
أبني العوالي السمهرية والموا ... ضي المشرفية والعديد الأكبر1
من منكم الملك المطاع كأنه ... تحت السوابغ تبع في حمير2
قيل: إنه لما تجاهل، في هذا البيت، عن معرفة الممدوح، ترجل الجيش بكماله تعظيمًا للممدوح إذ هو ملكهم، وهذه القصيدة سارت بها الركبان والحداة تشدو ببلاغتها، وهي أحب من: قفا نبك في الشهرة، لفصاحتها، ومطلعها:
فُتِقَتْ لكم ريحُ الجِلادِ بعنبرِ ... وأمدَّكُمْ فَلَقُ الصّباحِ المسْفِرِ
وما أحلى ما قال بعده:
وجنَيْتُمُ ثَمَرَ الوقائِعِ يانِعًا ... بالنصر من وَرَق الحديدِ الأخضَر
أقول إن هذه الاستعارات المرشحة يرشح ندى البلاغة من بين أوراقها، وتتعثر فحول الشعراء في حلبة سباقها، ومنها:
في فِتيةٍ صَدَأُ الدروع عبيرُهْم ... وخَلوقُهم عَلَقُ النجيعِ الأحمر3
لا يأكُلُ السِّرحانُ شِلوَ طعينهم ... مما عليه من القنا المتكسِّر4
قوْمٌ يبِيتُ على الحَشايا غيرُهُمْ ... ومبيتهُم فوق الجياد الضُّمَّر
وتظَلُّ تسبَحُ في الدماء قِبابُهُمْ ... فكأنّهُنَّ سفائنٌ في أبحر
حيٌّ مِنَ الأعراب إلا أنهم ... يردون ماء الأمن غير مُكَدَّر
لي منْهُمُ سيْفٌ إذا جَرَّدْتُهُ ... يومًا ضرَبْتُ به رِقابَ الأعصُر
صَعْبٌ إذا نُوَبُ الزمان استصعبتْ ... مُتَنَمِّرٌ للحادثِ المُتَنَمِّر
وإذا عَفَا لم تَلْقَ غيرَ مُمَلَّكٍ ... وإذا سطا لم تَلْقَ غيرَ مُعفَّر
فغمامُهُ من رحمَةٍ وعِراصُهُ ... من جَنّةٍ ويمينُهُ من كوثر5