ذكر تجاهل العارف:

وافتر عُجبًا تجاهَلْنا بمعرفة ... قلنا أبرق بدا أم ثغر مبتسم1

تجاهل العارف، تسميته لابن المعتز، وسماه السكاكي: بسوق المعلوم مساق غيره، لنكتة المبالغة في التشبيه. وهو عبارة عن سؤال المتكلم، عما يعلم، سؤال مَنْ لا يعلم، ليوهم أن شدة التشبيه الواقع بين المتناسبين أحدثت عنده التباس المشبه بالمشبه به، وفائدته المبالغة في المعنى، نحو قولك: أوجهك هذا أم بدر، فإن المتكلم يعلم أن الوجه غير البدر، إلا أنه لما أراد المبالغة في وصف الوجه بالحسن استفهم: أهذا وجه أم بدر؟ ففهم من ذلك شدة الشبه بين الوجه والبدر، فإن كان السؤال عن الشيء الذي يعرفه المتكلم خاليًا من الشبه بين الوجه والبدر، فإن كان السؤال عن الشيء الذي يعرفه المتكلم خاليًا من الشبه، لم يكن من هذا الباب، بل يكون من باب آخر كقوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} 2 فإن السؤال هنا، ما وقع لأجل المبالغة في التشبيه المشار إليه، في تجاهل العارف، بل هو لفائدة أخرى. إما الإيناس لموسى عليه السلام، لأن المقام مقام هيبة واحترام، وإما إظهار المعجز الذي لم يكن موسى يعلمه. ومنه قوله لعيسى عليه السلام: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} 3 فإن السؤال هنا لم يكن للتشبيه، وإنما هو توبيخ لمن ادعى فيه ذلك.

ومن الناس من جعل تجاهل العارف مطلقًا، سواء كان على طريق التشبيه، أو على غيره، إذا تقرر هذا فاعلم أن تجاهل العارف من حيث هو، إنما يأتي لنكتة من نحو مبالغة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015