عليه ومثله قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} 1 فالله تعالى لما علم أن وصف الشقاء يعم المؤمن العاصي والكافر، استثنى من خلودهم في النار بلفظ مطمع، حيث أثبت الاستثناء المطلق وأكده بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيد} ، أي أنه لا اعتراض عليه في إخراج أهل الشقاء من النار. ولما علم أن أهل السعادة لا خروج لهم من الجنة، استثنى من خلودهم ما ينفي الاستثناء، حيث قال: عطاء غير مجذوذ أي مقطوع، وهذه المعاني في هذه الآيات الشريفة زائدة على الاستثناء اللغوي.
ومن أمثال الاستثناء اللغوي في الشعر قول النميري:
فلو كنت بالعنقاء أو بأطومها ... لخلتك إلا أن تصد تراني2
هذا الاستثناء غاية الحسن، فإنه تضمن المبالغة في زيادة مدح الممدوح، وذلك أن هذا الشاعر يقول: إني لو كنت في حيز العدم، لأن العرب تضرب المثل بالعنقاء لكل شيء متعذر الوجود لخلتك متمكنًا من رؤيتي، ليس لك مانع يمنعك عني، فالزيادة هنا في غاية اللطف وهي قوله، إلا أن تصد، فأنت في القدرة علي غير ممنوع، وهذا غاية المبالغة في المدح.
ومن الاستثناء نوع سماه ابن أبي الأصبع: استثناء الحصر، وهو غير الاستثناء الذي يخرج القليل من الكثير، ونظم فيه قوله:
إليك وإلا ما تحث الركائب ... وعنك وإلا فالمحدث كاذب3
فإن خلاصة هذا البيت قول الناثر للمدوح: لا تحث الركائب إلا إليك، ولا يصدق المحدث إلا عنك، وهذا الحصر لا يحسن في الاستثناء الأول، فإنه لو قال سبحانه وتعالى: فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وعامًا صح، لولا توخي الصدق في الخبر. وقوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ} لا يمنع أن يقال ورهطه4، لولا مراعاة الصدق في الخبر.