وكم بمعرض مدح قد هجوتهم ... وقلت سدتم بحمل الضيم والتهم1
هذا النوع من مستخرجات ابن أبي الأصبع، وهو أن يقصد المتكلم هجاء إنسان، فيأتي بألفاظ موجهة ظاهرها المدح وباطنها القدح2، فيوهم أنه يمدحه وهو يهجوه، كقول الحماسي:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته ... سواهم من جميع الناس إنسانا3
فظاهر هذا الكلام المدح بالحلم والعفة والخشية والتقوى، وباطنه المقصود أنهم في غاية الذل وعدم المنعة، وظريف قول بعضهم في الشريف ابن الشجري:
يا سيد والذي يعيذك من ... نظم قريض يصدي به الفكر4
ما فيك من جدك النبي سوى ... أنك لا ينبغي لك الشعر
ومن ملح هذا الباب، قول ابن سناء الملك في قواد5:
لي صاحب أفديه من صاحب ... حلو التأني حسن الاحتيال
لو شاء من رقة ألفاظه ... ألف ما بين الهدى والضلال6
يكفيك منه أنه ربما ... قاد إلى المهجو طيف الخيال