رأتني وقد نال مني النحول ... وفاضت دموعي على الخد فيضا1
فقالت بعيني هذا السقام ... فقلت صدقت وبالخصر أيضا
وبيت الحلي:
قالوا سلوت لبعد الإلف قلت لهم ... سلوت عن صحتي والبرء من سقمي2
فقوله: سلوت عن صحتي هو حمل لفظ وقع من كلام الغير على خلاف مراده.
وبيت العميان أوردوه بحرف الاستدراك وهو:
كانوا غيوثًا ولكن للعفاة كما ... كانوا ليوثًا ولكن في عداتهم3
رأيت ترك الكلام على هذا البيت أليق بالمقام.
وبيت عز الدين الموصلي:
قالوا مدام الهوى قول بموجبه ... تسل قلت شبابي من يد الهرم4
لما قال الشيخ عز الدين، بعد تسل: شبابي من يد الهرم، علمنا أنها الكلمة التي أشار إليها ابن أبي الأصبع، وقال: إن المخاطب يعكس بها معنى كلام المتكلم وهو عين القول بالموجب. وتسل هنا، أحسن من سلوت في بيت الحلي، فإن تسل يقبل الاشتراك ومراد المتكلم هنا داء السل، فعاكسه المخاطب بسل الشباب من يد الهرم، ونقله باشتراك التورية، إلى الوجه الذي أراده، ولم يخرج عن موضوعها في معنى السل الذي لم يخرج عن الوجهين، غير أن قول: الموصلي مدام الهوى قول بموجبه، لم يخل من شدة العقادة، وبيت بديعيتي:
قولي له موجب إذ قال أشفقهم ... تسل قلت بناري يوم فقدهم
فلفظة تسل هي الكلمة المعتمد عليها في عكس معنى كلام المتكلم من المخاطب، فإن المتكلم أراد السلو في لفظة تسل، وهي فعل أمر، فعاكسه المخاطب بالاشتراك، ونقلها بالتورية إلى صفة التسلي بالنيران، فإنه لما قال له: تسل، قال: بناري يوم فقدهم. ورقة البيت وانسجامه لا تخفى على أهل الذوق السليم، والله أعلم.