فلما بلغ الرشيد ذلك أنكر عليه وتهدده بسببه، فقال: لم أقل إلا:
لقد ضاء شعري على بابكم ... كما ضاء حلي على خالصه
فاستحسن الرشيد مواربته، وقال بعض من حضر: هذا بيت قلعت عيناه فأبصر.
وشاهد التصحيف في المواربة يأتي في أبيات البديعيات، ويعجبني قول الشيخ عز الدين الموصلي، في المواربة من غير البديعية، لما بلغه وفاة القاضي فتح الدين بن الشهيد، وكان القاضي فتح الدين يرجح جانب الشيخ شمس الدين المزين على الشيخ عز الدين، لبغض كان في خاطره لا لاستحقاق:
دمش قالت لنا مقالا ... معناه في ذا الزمان بين
اندمل الجرح واستراحت ... ذاتي من الفتح والمزين
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته:
لأنت عندي أخص الناس منزلة ... إذ كنت أقدرهم عندي على السلم
المواربة في أخص يريد بها أخس بالسين المهملة، وأقدرهم يريد بها أقذرهم بالذال المعجمة، والمواربة في أقدرهم بالتصحيف.
وهذا النوع لم ينظمه العميان في بديعيتهم، وبيت الشيخ عز الدين الموصلي:
لأنت أفتح ذهنًا في مواربة ... وبالتعقل منسوب إلى النعم
مراد الشيخ بأفتح أقبح وبالتعقل التغفل، وقال في شرحه: إنه أراد بالنعم النعم، وهو اسم جامع للإبل وغيرها وأراد بذلك المواربة بالتحريف أيضًا. سلمنا له ذلك، ولكن لم أر في بيته قبل المواربة معنى يستأنس به الذوق. وبيت بديعيتي أنا مستمر فيه على ما تقدم من خطاب العاذل:
يا عاذلي أنت محبوب لديَّ فلا ... توارب العقلي مني واستفد حكمي
قولي للعاذل أنت محبوب لدي، من له أدنى ذوق يفهم منه أن مرادي المواربة بمجنون، والمراد بلفظة توارب توازن، والمعنى قبل المواربة مستقيم وهو في غاية الكمال وإذ حصلت المواربة صار البيت:
يا عاذلي أنت مجنون لديَّ فلا ... توازن العقل مني واستفد حكمي
وانتقل من صيغة المدح المقبول إلى صيغة الهجو الصريح.