والأنامل التي علمها الله بالسيف والقلم ومكنها من رتبتي العلم والعلم، ودارك بكرمها آمال العفاة بعد أن ولا ولم، ولولا أن هذا المضمار يضيق عن وصفه السابق إلى غاية الخصل، ومجده الذي إذا جر ذيله ودّ الفضل لو تمسك منه بالفضل، لأ طلت الآن في ذكر مجدها الأوضح، وأفصحت في مدحها ولا ينكر لمثلها إن أنطقت الصامت فأفصح، ثم إنك بعدما تقدم من القول المزيد، والمجادلة التي عز أمرها على الحديد، أقررت أنت أننا للملك كاليدين ولم تقر أينا اليمين، وفي آفاقه كالقمرين ولم تذكر أينا الواضحة الجبين، وما يشفي ضناي ويروي صداي إلا أن يحكم بيننا من لا يرد حكمه، ولا يتهم فهمه، فيظهر أينا المفضول من الفاضل، والمخذول من الخاذل، ويقصر عن القول المناظر ويستريح المناضل، وقد رأيت أن يحكم بيننا المقام الأعظم، الذي أشرت إلى يده الشريفة، وتوسلت بمحاسنها اللطيفة، فإنه مالك زمامنا ومنشئ غمامنا ومصرف كلامنا وحامل أعباءنا، الذي ما هوى للهوى، وصاحب أمرنا ونهينا، وتالله ما ضل صاحبكم وما غوى، ليفصل الأمر بحكمه، ويقدّمنا إلى مجلسه الشريف فيحكم بيننا بعلمه، فقدم خيره الله على ذلك الاشتراط، وقل بعد تقبيلنا الأرض له في ذلك البساط: خصمان بغي بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط، فنشط القلم فرحًا، ومشى في أرض الطرس مرحًا، وطرب لهذا الجواب وخر راكعًا وأناب، وقال: سمعًا وطاعة، وشكر الله على هذه الساعة: "يا برد ذاك الذي قالت على كبدي".

الآن ظهر ما تبغيان، وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وحكم بيننا الرأي المنير، ونبأنا بحقيقة الأمر ولا ينبئك مثل خبير، ثم تفاصلا على ذلك، وتراضيا على ما يحكم به المالك، وكانوا أحق بها وأهلها وانتبه المملوك من سنة فكره، وطالع بما اختلج سواد هذه الليلة في سره، والله تعالى يديم أيام مولانا السلطان التي هي نظام المفاخرة، ومقام المآثر، وغوث الشاكي وغيث الشاكر، ويمتع بظلال مقامه الذي لا تكسر الأيام مقدار ما هو جابر، ولا تجبر ما هو كاسر، إن شاء الله تعالى.

تمت رسالة الشيخ جمال الدين التي كشف بها عن قناع المغايرة، وأتى فيها بكل مثال ليس له مثيل، ووسمها بصاحب حماة فأطاعه عاصي الأدب، ووهب الله له على الكبر إسماعيل.

نرجع إلى أبيات البديعيات فبيت الشيخ صفي الدين:

فالله يكلؤ عذالي ويلهمهم ... عذلي فقد فرجوا كربي بذكرهم1

طور بواسطة نورين ميديا © 2015