الصوت والصول1، وأنا ذو اللفظ المكين، وأنت ممن دخل تحت قوله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} 2 فقد تعديت حدك، وطلبت ما لم تبلغ به جهدك، هيهات أنا المنتصب لمصالح الدول وأنت في الغمد طريح، والمتعب في تمهيدها وأنت غافل مستريح، والساهر وقد مهد لك في الغمد مضجع، والجالس عن يمين الملك وأنت عن يساره فأي الحالتين أرفع، والساعي في تدبير حال القوم، والمغني لنفعهم العمر إذا كان نفعك يومًا أو بعض يوم، فاقطع عنك أسباب المفاخرة، واستر أنيابك عند المكاشرة، فما يحسن بالصامت محاورة المفصح، والله يعلم المفسد من المصلح، على أنه لا ينكر لمثلك التصدي، ولا يستغرب منه على مثلي التعدي، ما أنا أول من أطاع الباري وتجرأت عليه، ومددت يد العدوان إليه، أولست الذي قيل فيه:

شيخ يرى الصلوات الخمس نافلة ... ويستحل دم الحجاج في الحرم

قد سلبت الرحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، وجلبت القوة فكم هيجت سبة حمراء3، وأثرت دهماء، وخمشت الوجوه، وكيف لا وأنت كالظفر كونًا، وقطعت اللذات، ولم لا وأنت كالصبح لونًا، أين بطشك من حلمي، وجهلك من علمي، وجسمك من جسمي:

شتان ما بين جسم صيغ من ذهب ... وذاك جسمي وجسم صيغ من بهق4

أين عينك الزرقاء من عيني الكحيلة، ورؤيتك الشنعاء من رؤيتي الجميلة، أين لون الشيب من لون الشباب، وأين نذير الأعداء من رسول الأحباب، هذا وكم أكلت الأكباد غيظًا، وحميت الأضغان5 قيظًَا وشكوت الصدأ فسقيت ولكن بشواظ6 من نار، وأخنت عليك الأيام حتى انتعل بأبعاضك7 الحمار، ولولا تعرضك إلي لما وقعت في المقت، ولولا إساءتك لما كنت تصقل في كل وقت، فدع عنك هذا الفخر المديد،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015