بالتحفظ، إذ لا يجوز الإخلال بها مادام الهدف الذي تسعى إليه هو غاية الغايات، فليس بعد معرفة الله سبحانه وتعالى حكمة.
كما أن للفصاحة والبلاغة فضائل أخرى مشهورة، ومناقب لا تخفى معروفة، ومنها كما يذكر أبو هلال العسكري1: أن من لا يتقنها لا يمكنه التفريق بين جيد الكلام ورديئه، أو بين حسن اللفظ وقبيحه، ولا بين نادر الشعر وبارده، فيظهر بذلك جهله ونقصه.
"فإذا أراد أن يصنع قصيدة أو ينشئ رسالة -وقد فاته هذا العلم- مزج الصفو بالكدر، وخلط الغرر بالعرر2، واستعمل الوحشي العكر، فجعل نفسه مهزأة للجاهل".
"وإذا أراد أيضا تصنيفث كلام منثور، أو تأليف شعر منظوم، وتخطى هذا العلم، ساء اختياره له، وقبحت آثاره فيه، فأخذ الرديء المرذول، وترك الجيد المقبول.... وقد قبل: اختيار الرجل وافد عقله3.
تطور علم البديع حتى عصر ابن حجة:
كان علم البديع في بداياته، سليقة لدى الكتاب والأدباء العرب، ولم يكونوا يعرفونه بهذا الاسم، وإنما كانوا يطبقونه في ما ينشئونه أيام جاهليتهم. أيام كانوا يجتمعون في الأسواق والأندية الأدبية، أمثال المربد وعكاظ وغيرها، يتناشدون الأشعار أمام زهير والنابغة الذبياني ليحكما على جودتها أو رداءتها، حسب رؤيتهما لها بمنظار هذا العلم، وإن لم يكونوا قد عرفاه بعد، كعلم مستقل له حدوده ومصطلحاته الخاصة به.
وظل علم البديع، كغيره من العلوم يتطور ويتوضح، حتى صار علما قائما بذاته، يعرف اليوم بعلم البلاغة التي تشمل ما نعرفه اليوم من علم المعاني وعلمي البديع والبيان.
ولا يفوتنا أن نذكر أن علوم البلاغة هذه، مرت قبل أن تتوضح حدودها وتقر مصطلحاتها، بمرحلة كانت فيها تعرف بما سمي "علم البديع"، الذي هو أحدها، وأن أصولها تضرب -كما قلنا- إلى العصر الجاهلي، وأن أول من حاول وضع مصطلحات