ذكر التخيير:

تخيروا لي سماع العذل وانتزعوا ... قلبي وزادوا نحولي مت من سقمي

التخيير هو أن يأتي الشاعر ببيت يسوغ فيه أن يقفي بقواف شتى، فيتخير منها قافية يرجحها على سائرها، يستدل بتخييرها على حسن اختياره، كقول الشاعر:

إن الغريب الطويل الذيل ممتهن ... فكيف حال غريب ما له قوت1

فإنه يسوغ أن يقال: ما له مال، ما له سبب، ما له أحد، ما له قوت، فإذا تأملت ما له قوت، وجدتها أبلغ من الجميع، وأدل على القافية، وأمس بذكر الحاجة، وأبين للضرورة، وأشجى للقلوب، وأدعى للاستعطاف، فلذلك رجحت على ما ذكرناه.

ومن هذا النوع في الكتاب العزيز، قوله تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} 2 فالبلاغة تقتضي أن تكون فاصلة الآية الأولى، للمؤمنين، لأنه سبحانه وتعالى ذكر العالم بجملته، حيث قال: {السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ومعرفة ما في العالم من الآيات الدالة على أن المخترع قادر عليم حكم، ولا بد من التصديق أولا بالصانع، حتى صح أن يكون ما في المصنوع من الآيات دليلًا على أنه موصوف بتلك الصفات، والتصديق هو الإيمان، وكذلك قوله تعالى في الآية الثانية {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} فإن خلق الإنسان، وتدبير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015