ومن غريب هذا النوع، قول معبد بن الحسين بن جبارة لرجل كان يدعو قومًا إلى سماع قينة له، ثم انكشف له بعد هذا أنهم كانوا ينالون منها القبيح:
ألم أقل لك إن القوم بغيتهم ... في ربة العود لا في رنة العود
لا تأسفن على الشاة التي عقرت ... فأنت غادرتها في مسرح السيد1
فانظر إلى مصاحبة هذه المعاني ونزاهة ألفاظها عن الفحش.
ومن ذلك قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبًا بلغت ولا كلابا2
وقالوا أحسن ما وقع في هذا الباب قوله أيضًا:
لو أن تغلب جمعت أنسابها ... يوم التفاخر لم تزن مثقالا3
فانظر إلى هذا الهجو المنكي4، كيف بالغ في تنزيه ألفاظه عن الفحش، وفيه معنى الهزل الذي يراد به الجد، وهو غاية في هذا النوع.
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي:
حسبي بذكرك لي ذمًّا ومنقصة ... فيما نطقت فلا تنقص ولا تذم
وقال إنها بالذال المعجمة، فإن جل قصده الذم هنا، والذي أقوله: إن هذا البيت شموس إيضاحه آفلة في غيوم العقادة، وليته استضاء بما قاله جرير ومشى على سنته.
والعميان لم ينظموا هذا النوع، وبيت الشيخ عز الدين نظمه في بديعيته لأجل معارضة الصفي، وقال في بيته يخاطب العاذل:
لقد تفيهقت بالتشديق في عذلي ... كيف النزاهة عن ذا الأشدق الخصم5
قد تقرر أن النزاهة هجو، ولكن شرطوا أن لا ينظم هجوهًا إلا بألفاظ لا تنفر منها العذراء في درها، والذي أقوله، وأنا أستغفر الله: إن ألفاظ عز الدين في بيته ينفر منها