ولهم مطابقة السلب بعد الإيجاب، وهي المطابقة التي لم يصرح فيها بإظهار الضدين، كقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} 1 فالمطابقة حاصلة بين إيجاب العلم ونفيه، لأنهما ضدان ومثله قول البحتري:
يقيض لي، من حيث لا أعلم، النوى ... ويسري إلى الشوق من حيث أعلم
فالمطابقة باطنة ومعناها ظاهر، فإن قوله لا أعلم، كقوله جاهل، والسابق إلى هذا امرؤ القيس بقوله:
جزعت ولم أجمع من البين مجزعًا ... وعزيت قلبا بالكواعب مولعا2
فالمطابقة حاصلة بين إيجاب الجزع ونفيه، ومن المستحسن في ذلك قول بعضهم:
خلقوا وما خلقوا لمكرمة ... فكأنهم خلقوا وما خلقوا
رزقوا وما رزقوا سماح يد ... فكأنهم رزقوا وما رزقوا
ومثله قول بشر بن هارون، وقد ظهر منه الفرح عند الموت، فقيل له: أتفرح بالموت؟ فقال: ليس قدومي على خالق أرجوه، كمقامي عند مخلوق لا أرجوه، فالمطابقة حاصلة بين إيجاب الرجاء ونفيه. انتهى الكلام على مطابقة السلب بعد الإيجاب.
ولهم إيهام المطابقة، كما لهم إيهام التورية، والشاهد على إيهام المطابقة قول الشاعر:
يبدي وشاحًا أبيضًا من سيبه ... والجو قد لبس الوشاح الأغبرا3
فإن الأغبر ليس بضد الأبيض، وإنما يوهم بلفظه أنه ضده ومثله قول دعبل:
لا تعجبني يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
فالضحك هنا من جهة المعنى ليس بضد البكاء، لأنه كناية عن كثرة الشيب، ولكنه من جهة اللفظ يوهم المطابقة.
ولهم الملحق بالطباق، وهو راجع إلى الضدين كقوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} 4 طابق الأشداء بالرحماء، لأن الرحمة فيها معنى اللين، ومثله قوله