ولا عتب على الدهر فيما اقترف إن كان قد ساء فيما مضى فقد أحسن الخلف. واعتذر بما وهب عما سلب، فعفا الله عما سلف. ومما جمع فيه من النظم بين التهنئة والتعزية، قول بعض الشعراء ليزيد بن معاوية لما دفن أباه وجلس للتعزية:

اصبر يزيد فقد فارقت ذا ثقة ... واشكر حباء الذي بالملك أصفاكا1

لا رزء أصبح في الإسلام نعلمه ... كما رزئت ولا عقبى كعقباكا2

وقال زكي الدين بن أبي الأصبع: أحسن شعر افتن فيه صاحبه، بالجمع بين التعزية والتهنئة، قول أبي نواس للعباس بن الفضل بن الربيع، يعزيه بالرشيد ويهنيه بالأمين، حيث قال:

تعز أبا العباس عن خير هالك ... بأكرم حي كان أو هو كائن

حوادث أيام تدور صروفها ... لهن مساو مرة ومحاسن

وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى ... فلا أنت مغبون ولا الموت غابن3

ولعمري، إن جمال الدين بن نباتة رحمه الله قال، في تعزية الملك المؤيد صاحب حماة وتهنئة ولده الأفضل بالسلطة بعد أبيه، ما هو أحسن من قول أبي نواس الذي استحسنه ابن أبي الأصبع، وقول من تقدمه. وإن تأخر ابن تباتة فقد تقدم بنباتة، فإنه استطرب في قصيدة مطولة بالجمع بين التهنئة والتعزية إلى آخرها وأتى بمعان منها سلامة الاختراع، والذي يؤدي إليه اجتهاد ذوقي، إن هذه القصيدة من العجائب في هذا النوع، وأوردت مطلعها في براعة الاستهلال، لكن تعين إيراده هنا لندخل منه إلى بيوت القصيدة المشتملة على هذا النوع، ليتأيد ما أشرت إليه من غرابة أسلوبها، وهو قوله رحمه الله تعالى:

هناء محا ذاك العزاء المقدما ... فما عبس المحزون حتى تبسما

ثغور ابتسام في ثغور مدامع ... شبيهان لا يمتاز ذو السبق منهما

نردّ مجاري الدمع والبشر واضح ... كوابل غيث في ضحى الشم قد همى4

سقى الغيث عنا تربة الملك الذي ... عهدنا سجاياه أعزّ وأكرما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015