المتقدم1، على بيت أبي الطيب، بجودة المقابلة، ولكن القافية مستدعاة، فإن الذي ذكره مختص بالرجل وبغيره، والمعنى قد تم بدون الرجل، قال زكي الدين بن أبي الأصبع: لو كان، لما اضطر إلى القافية، أفاد بها معنى زائدًا، بحيث يقول: بالبشر، لكان البيت نادرًا. وعلى كل تقدير، بيت أبي دلامة أفضل من بيت المتنبي، لصحة المقابلة، لأنه قابل الأضداد، والمتنبي بغير الأضداد، والمقابلة بالأضداد أفضل، وهو مذهب السكاكي، فإنه قال: المقابلة أن تجمع بين شيئين متوافقين فأكثر، ثم إذا شرطت هناك شيئًا شرطت هناك2 ضده. انتهى. وبيت المتنبي أفضل، بالكثرة، عند غير السكاكي، وإن المقابلة عنده لا تصح إلا بالأضداد، وأسلم من بيت أبي الطيب، في التركيب، ما أورده الصاحب شرف الدين مستوفي أربل:
على رأس عبد تاج عز يزينه ... وفي رجل حر قيد ذل يشينه
وبيت صفي الدين الحلي:
كان الرضا بدنوي من خواطرهم ... فصار سخطي لبعدي عن جوارهم
فقابل الرضا بالسخط، والدنو بالبعد، ولفظة من بِعن، فإذا قلنا: إن من ضد عن، سلم له أربعة بأربعة، وخواطرهم بجوارهم، على مذهب من يرى أن المقابلة تجوز بالأضداد وبغيرها، وبيت العميان:
بواطئ فوق خد الصبح مشتهر ... وطائر تحت ذل الليل مكتتم
بيت العميان أمكن من بيت صفي الدين في المقابلة، لأنهم قابلوا واطئًا بطائر، لأن الواطئ هو الماشي على الأرض والطائر السائر في الهواء، وفوق بتحت، وخد بذيل، لما بينهما من معنى العلو والسفل، والصبح بالليل، ومشتهر بمكتتم، وانظر لفظة مشتهر مع مكتتم، وهي القافية التي أمكن منها، ولفظة خواطرهم ومقابلتها بجوارهم، في بيت صفي الدين وما بينهما من المباينة، غير أن ثقل قولهم: بواطئ، يشق حمله على لطيف الذوق وبيت الشيخ عز الدين:
ليل الشباب وحسن الوصل قابله ... صبح المشيب وقبح الهجر وا ندمي